-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الله أحقّ أن نخشاه

سلطان بركاني
  • 623
  • 0
الله أحقّ أن نخشاه

لو قيل لأحدنا إنّ أعماله ستعرض كلّ يوم على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيطلّع على الغفلة والعيوب ويرى المعاصي والذنوب، فإنّ العبد المؤمن سيتلكّأ ويشعر ببالغ الحرج، ولو قدّر أن يقال له إنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- سيزورك في بيتك، لقَلب العبد البيت رأسا على عقب، يزيل منه كلّ المخالفات التي يمكن أن تقع عليها عين الحبيب.. هذا المتوقّع من كلّ واحد منّا أمام هذا الافتراض، لكنّنا جميعا نعلم أنّ العليّ الأعلى -سبحانه- يرانا ويطّلع على أعمالنا، ومع ذلك لا نتوب ولا نصلح إلا من رحم الله منّا.

كثير من الدّعاة يطرحون على من يستمع إليهم افتراض زيارةٍ مفاجئة تقود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى البيوت ليرى ما فيها ويرى أحوال ساكنيها؛ ليحرّكوا القلوب بالحياء من حبيب الرّحمن، لكنّهم يُغفلون ما هو أهمّ؛ تحريك القلوب لتستحي من الحيّ الذي لا يموت، من العليم الخبير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور.. النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لو كان بيننا فإنّه لن يعلم ما تخفيه صدورنا ولن يطّلع على نياتنا الفاسدة والرياء الذي ينخر قلوبنا والغلّ الذي امتلأت به نفوسنا، إلا ما أطلعه الله عليه.. لكنّ الله العليم الخبير يعلم ما في نفوسنا وقلوبنا وضمائرنا، ويرى ما نفعل ويسمع ما نقول في الخلوة وفي الجلوة وفي كلّ وقت وكلّ حين. ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.

الحياء من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مطلوب، لكنّ الحياء من خالق السّماوات والأرض أوجب وأولى.. فكيف تطيب نفوسنا بأن نعصي الله وهو يرانا وينظر إلينا ويكره لنا أن نعصيه؟ كيف لا يستحي ولا يخاف من الله من يختم يومه بالنظر إلى الحرام على شاشة الهاتف أو التلفاز مع علمه بأنّ الله يراه ويعلم خائنة عينه وما يكنّه صدره؛ يختم يومه بالحرام، ثمّ يصبح نائما عن صلاة الفجر، ويستيقظ بعد طلوع الشّمس يتثاءب ويتمطّط كأنّه لم يقترف كبيرة من الكبائر، ثمّ يملأ بطنه ويلبس ثيابه ويعطّر بدنه، ويزيّن ظاهره للنّاس، وباطنه الذي يطّلع الله عليه ربّما يكون أنتن من الجيفة؟ كيف لا يستحي ولا يخاف من الله من يرى زوجته تخرج متعطرة متبخترة، ويعلم أنّها تضاحك الرجال وتمازحهم في مكان العمل وفي السّوق، ويعلم أنّها تتجرّد في حفلات الأعراس من حيائها وتلبس أمام النساء ما يستحي منه الحياء وما لا يجوز للمرأة أن تلبسه إلا لزوجها، وربّما تسمح بتصويرها على تلك الحال؟ كيف لا يستحي ولا يخاف من خالقه ومولاه من يرى ابنته تخرج في لباس ضيّق وحجاب لا ينطبق عليه شرط واحد من شروط الحجاب؟ كيف لا يستحي ولا يخاف من الله من يرى أبناءه يعودون إلى البيت بعد منتصف الليل رؤوسهم تترنح وأجسادهم تتمايل؟ كيف لا يستحي ولا يخاف من الله من يضيّع عمله ويستخفي من مسؤول العمل فيسرق من الوقت ويتحايل؟

لو تأمّلنا قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ وجعلناه نبراسا لحياتنا ما أصرّ الواحد منّا على معصية خالقه وإضاعة حقّ مولاه.. والله لو تدبّرنا قول الله جلّ في علاه: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ واستحضرناه في كلّ يوم وكلّ وقت، ما طابت نفس الواحد منّا أن يعصي الله في خلوته ويستهين بنظره سبحانه..

وإذا خلوت بريبة في ظلمة * والنفس داعية إلى العصيان

فاستح من نظر الإله وقل لها * إن الذي خلق الظلام يراني.

يَروي نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- واقعة شهدها فيقول: خرجت مع ابْنِ عُمر إلى بعض نواحي المدينة، ومعه أصحابٌ له، فوضعوا سُفرةً، فمرَّ بِهم راعٍ، فقال له عبد الله: هلمَّ يا راعي، فأصِبْ من هذه السُّفرة. فقال: إنِّي صائم. فقال له عبد الله: في مثلِ هذا اليومِ الشَّديد حرُّه، وأنت في هذه الشِّعاب في آثارِ هذِه الغنَم، وبين الجبال ترعى هذه الغنم، وأنت صائم! فقال الراعي: أُبادر أيَّامي الخالية، فعجِب ابنُ عمر، وقال: هل لك أن تبيعَنا شاةً من غنمِك نجتَزِرُها، ونُطْعِمك من لَحمها ما تفطِرُ عليه، ونعطيك ثَمنَها؟ قال: إنَّها ليستْ لي، إنَّها لمولاي. قال: فما عسيْتَ أن يقول لكَ مولاك إن قُلْتَ: أكلها الذئب؟ فمضى الرَّاعي وهو رافعٌ إصبعَه إلى السماء يقول: فأين الله؟ قال: فلمْ يزل ابنُ عُمر يقول: قال الراعي: فأين الله. فما عدا أن قدِم المدينةَ، فبعث إلى سيِّده فاشترى منه الرَّاعي والغنم، فأعتق الرَّاعيَ، ووهبَ له الغَنم.

لو جعلنا قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ دستورا لحياتنا لما احتاج الواحد منّا إلى رقيب في عمله أو مفتش تجارة في تجارته حتّى يكون صادقا أمينا.. في هذه الأيام نرى في المحلات السميد الذي كان يباع بـ1400 دينار، وحتى بـ1800 دينار، أصبح يباع بـ1000 دينار، بعد أن بدأت العقوبات الصارمة تطال بعض التجار.. قبل أسابيع بدأت أزمة الزيت تطلّ علينا مرّة أخرى، لكن ما أن بدأت العقوبات الصارمة تنزل ببعض المحتكرين حتّى رأينا الزّيت يعرض في كلّ مكان بكميات وفيرة.. فلماذا لا نخاف الله وعقابه كما نخاف البشر وعقابهم؟ لماذا لا نوزع بالقرآن كما نوزع بالقانون والسلطان؟

إذا أردنا أن تصلح حياتنا وتستقيم أمورنا، ونسعد في الدّنيا والآخرة، فلنعمر قلوبنا بخوف الله وخشيته وتعظيم نظره إلينا واطلاعه على قلوبنا وأقوالنا وأعمالنا وأحوالنا.. يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “ثلاث منجيات وثلاث مهلكات: فأما المنجيات، فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات، فهوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهنَّ”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!