تخريب متواصل لوسائل النقل ودعوة إلى تشجيع التبليغ
في وقت يعاني فيه المواطنون من قلة وسائل النقل، ويتذمرون من تكديسهم داخل الحافلات، نجد مراهقين وشبابا يرشقون الحافلات والقطارات بالحجارة، ما يجعل كثيرا من هذه المركبات تخرج عن الخدمة وتدخل المستودعات في انتظار إصلاحها بعد وقت طويل، ما يتسبب في تعميق أزمة النقل الجماعي.
تتواصل ظاهرة الاعتداء على مركبات النقل العمومي، سواء عن طريق رشقها بالحجارة من طرف أطفال أم تحطيم أبوابها ومقاعدها من طرف الراكبين. وفي هذا الصدد، استنكرت المؤسسة الوطنية للنقل الحضري وشبه الحضري لولاية الجزائر “إيتوزا”، ما وصفته “تواصل مسلسل الاعتداءات المتكررة على حافلاتها”. وأشارت في بيان لها، إلى تعرض حافلة لها تعمل على الخط الرابط بين محطة 02 ماي ومدينة سيدي عبد الله بالجزائر العاصمة للرشق بالحجارة من طرف أطفال على مستوى مفترق الطرق زرالدة وسيدي عبد الله، عندما كانت أمام إشارة مرور ضوئية.
إضرار.. هلع واستياء وسط الراكبين
وخلفت هذه الحادثة هلعا وسط الرّاكبين، كما ألحقت أضرارا مادّية معتبرة بها، منها تكسير زجاجها الخلفي. واستنكرت مؤسّسة “إيتوزا” ما وصفته بـ “عمليّات التخريب والرّشق بالحجارة التي تطال حافلات ملك للدولة والشعب.. والحافلات المتضررة يتم حجزها وإبقاؤها تحت الصيانة، ما يؤدي إلى النقص في عدد الحافلات على مستوى الشبكة، وينعكس سلبا على نوعية الخدمة المقدمة للمواطنين”.
تخريب أبواب عربات ترامواي وإخراجها من الخدمة
ومن جهتها، ندّدت في العديد من المرات مؤسسة ترامواي الجزائر بتعرض عرباتها لسلوكات تخريبية، سواء طرف المسافرين أم الأطفال المتواجدين على حافة سكك ترامواي وأيضا أصحاب المركبات، داعية الجميع عبر بياناتها التي اطلعت عليها “الشروق” إلى ضرورة الحفاظ على ممتلكات الشعب والدولة.
ومن أبرز السلوكات السلبية التي رصدتها “الشروق” على مستوى مختلف محطات ترامواي بالجزائر العاصمة مثلا، تلاعب الراكبين بأزرار الأبواب التي تفتح أوتوماتيكا أو يستندون عليها في أثناء وقوفهم، متسببين في توقف عربة ترامواي فجأة، بعدما كانت في حالة سير، ويسقط جميع الواقفين ومنهم نساء حوامل وكبار سن على الأرض. واتخذ بعض الأطفال والشباب من هذه الحادثة “لعبة” يتسلون بها ويضحكون..! وكثير من عربات ترامواي توقفت عن الخدمة بعد تضرّر أبوابها.
وفي ظاهرة سلبية أخرى، يقدم بعض التلاميذ والذين يركبون ترامواي في ساعات الصباح الأولى أو مساء، بعد الخروج من المدارس، إلى إحداث فوضى عارمة داخل ترامواي وإزعاج الراكبين، وآخرون يقوموا بضرب زجاج العربات للتسلية فقط، متسببين في تكسيره. ويستنكر كثير من المسافرين “شغب” بعض التلاميذ ويدخلون معهم في مشادة وصلت درجة الضرب والسب والشتم.
ويشهد سائقو عربات ترامواي، يوميّا، سلوكا سلبيا من أصحاب المركبات، والذين يقطعون مسار ترامواي في أثناء سيره، متجاهلين إشارة التوقف الضوئية، ومبررهم أنهم سيعبرون بسرعة، فيتسببون في حوادث اصطدام، تتعرّض إثرها عربات ترامواي لأضرار بالغة، ويضطر راكبوه للنزول وإكمال مشوارهم سيرا على الأقدام.
ودخلت مؤخرا عربات ترامواي جديدة للخدمة على مستوى الجزائر العاصمة، ويتخوف المسافرون من تعرضها للإتلاف على يد المخربين، وهو ما جعلهم متفطنين وينهرون أي شاب أو طفل يحاول تخريب المقاعد أو الأبواب.
أمّا حكاية الاعتداء على عربات القطار، فذلك مسلسل متواصل، تفقد فيه حتّى أرواح سائقين تعرّضوا لرشق بالحجارة على مستوى الرأس.
والغريب في الموضوع، أن جميع وسائل النقل التي تتعرض للتكسير والتحكيم هي ملك للدولة، ويستخدمها المواطنون بأسعار أقل، ويتمتعون فيها بخدمات أفضل من مركبات النقل الخاص، التي يعانون داخلها الأمرّين، ومع ذلك لا يتعرّضون لها.
وتدخل وسائل النقل العمومية التي تتعرض للتخريب، إلى المستودعات وتشكل عملية إصلاحها عبئا على ميزانية الدولة بعدما تستغرق أشهرا طويلة لإعادتها للخدمة، ما يتسبب في نقصان عدد وسائل النقل حيز الخدمة، ويحدث الاكتظاظ بالمواقف، ويجد المسافرون صعوبات كبيرة في التنقل، كل هذا بسبب تصرفات طفل أو مراهق طائش في لحظة تسلية.
مواطنون مهووسون بالتخريب والتحطيم..
واعتبر المختص في علم النفس الاجتماعي، عمر بلحوسين، في تصريح لـ”الشروق” إصرار بعض “المُخرّبين” على تحطيم ممتلكات الدولة وتشويه معالمها، بأنها سلوكات سلبية متكررة على مدار السنين وتزداد حدتها مع الوقت، وهي لديها تفسيرات اجتماعية ونفسية، لأنه لا يمكن لإنسان طبيعي وفي كامل توازنه النفسي أو ليس لديه أهداف أخرى الإتيان بهذه الأفعال المشينة، على حدّ قوله.
وقال بلحوسين إن بعض الأفراد، مجرمون وعنيفون بالفطرة أو بسبب التربية الخاطئة من الأسرة، وغالبية دوافعهم تكون مادية، فمثلا يسرقون كابلات كهرباء لغرض بيعها كنحاس. وهؤلاء “يجب ردعهم بمختلف العقوبات وبصرامة، مع تسديدهم ثمن ما خرّبوه”.
وآخرون يعتقدون في قرارة أنفسهم بأن ممتلكات الدولة مباحة ولهم الحق في التعدي عليها، بل ويتوارثون هذه الأفكار “الشاذة” أبا عن جد، أو يعتقدون بأنهم بتخريبهم ممتلكات الدولة وكأنهم ينتقمون لظروف معينة. وهذه الفئة يصفها المختص في علم النفسي الاجتماعي بـ”الأشخاص غير الأسوياء نفسيا وبالكسالى غير المبادرين، والذين يلقون أسباب فشلهم في مجتمعهم وعدم تحقيقهم أي نجاح يذكر في حياتهم المهنية والشخصية إلى السلطات العمومية أو إلى محيطهم، وهو ما يجعلهم يتلذذون عند تخريبهم ممتلكات عمومية يستخدمها المواطنون.. وهؤلاء يشكلون خطرا على أنفسهم وعلى غيرهم”.
ضرورة تشجيع المواطنين على التبليغ
ولمُحاربة هذه الظاهرة، يقترح المتحدث استحداث خط أحمر مباشر، مهمته تلقي بلاغات المواطنين عند حصول عمليات تخريب لوسائل نقل عمومية، بحيث تتدخل المصالح الأمنية فورا لضبط الفاعلين قبل هروبهم، وهو ما يبث الرعب في قلوب البقية مستقبلا.
كما دعا المختص إلى تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية في المدارس والمساجد ودور الشباب وفضاءات عمومية، بأن ممتلكات الدولة ملك لجميع المواطنين، والجميع مطالبون ببذل الجهد للحفاظ على الممتلكات العمومية، التي هي أصلا ممتلكات المواطنين. مع التذكير بالجهود المبذولة من السلطات لوضع وسائل النقل العمومية في خدمة المواطنين، مع ضرورة تربية الأطفال على حب وطنهم والحفاظ على إنجازاته والالتزام بالقانون والتمسك بالخلق القويم.
ويبقى أنجع الحلول، بحسبه، هو الرّدع الفوري من طرف المواطنين بمجرد رؤيتهم عملية تخريب لوسيلة نقل عمومية، سواء بالنهي والنهر أم الاتصال السريع بالمصالح الأمنية، أم حتى تصوير الواقعة وتسليمها للشرطة.