غار جبيلات.. ليس من سمع كمن رأى !
كلّما ذُكر غار جبيلات إلا وتحدثنا على الإمكانات الكبيرة التي يوفرها هذا المكمن الذي يحوي احتياطيّا يقدر بنحو 3.5 مليار طن، ما يجعله نظريا ثامن إحتياطي عالمي في الحديد. بقي هذا المكمن حلما يراود الأجيال المتعاقبة منذ زمن الراحل هواري بومدين، إلا أن العديد من العقبات التقنية حالت دون الوصول لإستغلال الحجم الهائل من إحتياطي الحديد الذي سيوفر للجزائر سنويا 50 مليون طن قادرة على تغيير وجه الاقتصاد الوطني والعالمي وإدخال بلدنا الحبيب إلى عالم التصنيع من الباب الواسع.
غار جبيلات التحديات
إن إستغلال مكمن غار جبيلات هو واحدٌ من القرارات التاريخية في مسار الاقتصاد الوطني، وسيكون له الأثر ذاته الذي كان لقرار تأميم المحروقات، نظرا للأهمية الاقتصادية الكبرى لهذا المشروع الذي يمكن أن يستحدث في المرحلة الأولى نحو 5000 منصب شغب مباشر ومثلها بـ4 مرات بشكل غير مباشر، مما يجعل المكمن قادرا على إستحداث 25000 منصب، كما أن السكة الحديدية التي تربط المنجم بعاصمة الولاية تندوف والتي تصل إلى 200 كلم والتي ستكتمل في حدود الثلاثي الأول من 2025، ستكون الخطوة الأولى أمام تحرير مخرجات المنجم من واحدة من أكبر المشاكل التي عرقلت استغلاله سنوات، وهي بُعد المسافة لأن السكة ذاتها ستواصل الصعود وصولا إلى ولاية بشار فالنعامة فميناء أرزيو، لتكون المسافة الكلية بين الاستخراج والتصدير نحو 1600 كلم تختزلها السكة الحديدة في بضع ساعات.
وفي طريق الصعود ستكون هناك عملية تكرير الخام المستخرَج أوليّا في تندوف ثم مرحلة ثانية في بشار، ليتحول إلى خام موافق للمعايير الدولية وقابل للاستعمال في المصانع الجزائرية ومؤهَّل للتصدير إلى شركاء الجزائر.
منتجات مكمن غار جبيلات
لا يمكن أن نسمي غار جبيلات بالمنجم نظرا لأن الحديد الخام في هذه المنطقة متواجد فقط على سطح الأرض، فمادة خام الحديد متواجدة على مسافة تتراوح بين 0.6 و1 متر من سطح الأرض، مما يجعل المكمن سهلا في عملية الاستغلال والتطوير، كما أن الاقتصاد الوطني يمكن أن يستفيد من منتجات عديدة على غرار خام الحديد وحبيبات الحديد التي تدخل في انتاج حديد التسليح والصفائح الحديدية، وهو ما يجعل الجزائر تحقِّق في المدى المتوسط الاكتفاء الذاتي في كل مشتقَّات الحديد، ويمكنها أن تتحول إلى واحد من أكبر المصدِّرين العالميين لخام الحديد بمواصفات عالمية. هذه الحقائق الجديدة تجعل الجزائر قادرة على أن تتحول إلى قطب صناعي في كل المجالات المرتبطة بالحديد والطاقة على غرار هياكل السيارات، التي تعدّ واحدة من الصناعات التي تستهلك الطاقة والصفائح الحديدية.
تندوف.. حاسي منير وسحر الطبيعة
تندوف ليست غار جبيلات فقط، فهي تحوي آخر نقطة تغرب عنها الشمس في الجزائر؛ إنها حاسي منير التي لا تبعد كثيرا عن فوهة بركانية عجيبة ونجمة خماسية غريبة والعديد من الأسرار التي تكتنزها صحراء الجزائر في الجنوب الغربي للجزائر والتي تختلف في تضاريسها ونوعية رمالها عن باقي المناطق الصحراوية الجزائرية، ورغم بُعد هذه القرية بنحو 210 كلم عن مركز ولاية تندوف، إلا أن ملاح التنمية واضحة والدولة تسعى لتصل أساسياتها إلى كل ربوع الوطن مهما كلّف الأمر.
والأكيد أن مقدرات الصحراء الجزائرية تبقى واحدة من أهم الموارد القادرة على جلب العملة الصعبة للبلاد حالها حال غار جبيلات، وهو موردٌ ينتظر العناية به سواء في تندوف أو في غيرها من المدن الجزائرية من الأغواط وغرداية وصولا إلى النعامة والبيض فإليزي وتنمراست وأدرار وبشار…
ليس من سمع كمن رأى
لا يمكن الحديث عن مكمن غار جبيلات من الصور والفيديوهات من دون الوقوف عليه وفهم جغرافية المكان وتفاصيل المشروع الذي يعدّ واحدا من أكبر المشاريع على المستوى الإفريقي، خاصة أن الدولة الجزائرية سخّرت للمكمن إمكانات مادية ضخمة.
لكن الأكيد أن المشروع بحاجة إلى تطوير الإطار البشري في مختلف المجالات المتعلقة بالعمل المنجمي، وهو ما يجعلنا نؤكد ضرورة المسارعة إلى فتح تخصُّصات في مجال التعدين والمناجم في المركز الجامعي لتندوف وجامعة بشار، بالاضافة إلى تأهيل اليد العاملة على مستوى مراكز التكوين المهني والتمهين من خلال نقل الخبرات التي نملكها في مناجم تبسة إلى منطقة تندوف وبشار، مع العمل على الرفع من الروح المقاولاتية لدى شباب المنطقة للعمل على مرافقة المشروع من خلال الاستفادة من الفرص المقاولاتية التي سيستحدثها المكمن بشكل تدريجي، وهو ما يحتم التوجه نحو الرفع من حجم العمليات التحسيسية في المنطقة.. هي خطوات بدأت الوزارات والهيئات المسؤولة على العمل عليها، لمواكبة الديناميكية الموجودة في المشروع، والأكيد أن وجه تندوف في الخمس سنوات القادمة سيعرف تغيُّرا واضحا بفضل هذا المشروع العملاق، وهذا ما وقفتُ عليه في زيارتي لتندوف وتنقلي إلى غاية مكمن غار جبيلات ومنطقة حاسي منير الحدودية.
الاقتصاد الوطني يمكن أن يستفيد من منتجات عديدة على غرار خام الحديد وحبيبات الحديد التي تدخل في إنتاج حديد التسليح والصفائح الحديدية، وهو ما يجعل الجزائر تحقِّق في المدى المتوسط الاكتفاء الذاتي في كل مشتقَّات الحديد، ويمكنها أن تتحول إلى واحد من أكبر المصدِّرين العالميين لخام الحديد بمواصفات عالمية. كما يمكنها أن تتحول إلى قطب صناعي في كل المجالات المرتبطة بالحديد والطاقة على غرار هياكل السيارات.
إن قطاع المناجم واحدٌ من الركائز المستقلبية التي ستمكِّن الاقتصاد الوطني من تنويع صادراته خارج المحروقات، وسيستحدث هذا القطاع ديناميكية اقتصادية قادرة على تغيير وجه مناطق عديدة بالتوجّه نحو الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية خاصة في ظل المشاريع المبرمجة في المدى القصير والمتوسط والتي تعتبر خام الحديد مادة أولية ورئيسة، ولعل أهم ما يجهله عديد المتابعين أن المنطقة لا تحتوي فقط على غار جبيلات بل هناك مكامن أخرى وعلى رأسها منطقة مشري عبد العزيز التي تحتوي أضعاف ما يحتويه غار جبيلات، وهو ما يعني أن البنى التحتية التي تشيدها الجزائر اليوم ليس مخصصة فقط للمكمن الحالي بل سوف تحقق عوائد هائلة للجزائر على المدى الطويل، خاصة أن صحراءنا لا تحتوي خام الحديد فقط بل عديد المعادن الغالية والنفيسة، وهو ما يعدّ موردا كبيرا للاقتصاد المحلي والوطني، كما أن مناجم أخرى ستكون محل استغلال للاقتصاد الوطني على غرار منجم الذهب في تمنراست ومناجم الفوسفات في جبل الهدبة بتبسة ومناجم الزنك بواد أميزور، وكل هذا سيتعزّز بما تحتويه الجزائر من المعادن والأتربة النادرة التي ستكشف عنها خريطة رسم المعادن في الجزائر.