مخاوف من هيمنة الشاشات على الأطفال في العطلة الصيفية

يُعاني كثير من الأطفال فراغا رهيبا خلال العطلة الصيفية، وهو ما يجعلهم ضحية إدمان سلوكات خطيرة وبتحفيز من الأولياء، وعلى رأسها الإدمان الرقمي وما يصحبه من مشاكل تؤثر على الصحة العقلية والجسدية للطفل. ويدعو المختصّون في علم النفس، إلى مرافقة أطفالنا خلال عطلتهم وتوجيههم نحو السلوك الصائب، للمساهمة في تنشئتهم طبيعيا بلا عقد ولا أمراض مستقبلا.
تمتدّ العطلة الصيفية لتلاميذ المدارس لقرابة أربعة أشهر، وهي فترة طويلة تجعل العائلات تحتار وضع الخطة الملائمة، التي تجعلهم يحتوون أطفالهم بعيدا عن جو الهواتف الذكية وأفلام الكرتون، أو اللعب في الشوارع والتي باتت تشكّل خطرا من حيث انتشار عصابات ترويج المخدرات و”مافيا” الأحياء، فبعض العائلات تفضّل تسجيل أطفالها في الجمعيات الدينية لحفظ القرآن الكريم، وآخرون وهم قلة في مجتمعنا ممن يرسلون أبناءهم إلى المخيمات الصيفية، بعد اندثار هذه الثقافة السنوات الأخيرة لعدّة عوامل، وعائلات تترك أبناءها لدى الأقارب في العطلة دون حارس ولا رقيب على سلوكاتهم هنالك، وكم من طفل تعرض لمخاطر بعدما كان متواجدا في منزل أقاربه.. بحيث سمعنا عن طفل توفي احتراقا بالماء المغلي الذي كان موضوعا على “طابونة” على الأرض، وهذا في بيت خالته التي استضافته أياما بالجزائر العاصمة، وفتاة في 15 من عمرها من عنابة تعرضت للاغتصاب على يد ابن عمتها المراهق وحملت منه، وعندما حاولت خالتها إجهاضها فارقت الحياة، وطفل غرق في بركة ماء بعدما غفل عنه أقاربه المتواجد عندهم، وآخر اصطحبه خاله إلى البحر فسقط من جبل صخري وتوفي.. وقصص كثيرة أخرى حدثت لأطفال تواجدوا في العطلة ببيوت أقاربهم.
أولياء يشجعون أطفالهم على إدمان الهواتف.. !
ومثل هذه الحوادث وغيرها، تجعل كثيرا من الأولياء يحتجزون أطفالهم في المنازل خلال العطلة الصيفية، ولإبعاد الملل عنهم يمنحونهم الهواتف الذكية، وهنا يدخل الطفل شيئا فشيئا إلى الإدمان الرقمي، والذي بات يصنف ضمن أخطر السلوكات الحديثة، التي تسبّب أعراضا خطيرة للأطفال.
وفي هذا الصدد، يؤكد المختص في علم النفس التربوي، حسام زرمان، أن الإنترنت باتت مصدرا لتدفق معلومات غزيرة وفي جميع المجالات، ولذلك، فإن استخدامه من طرف الأطفال يحتاج إلى توجيه ومراقبة من أوليائهم.
زرمان: أطفال يفضّلون البقاء في المنزل مع الهاتف على الخروج
ويقول زرمان لـ”الشروق”، بأن طول فترة العطلة الصيفية، ومكوث الأطفال ساعات متواصلة أمام الهواتف الذكية عكس فترة الدراسة، يتسبّب لهم في مشاكل عديدة، وعلى رأسها تدمير أخلاقهم، بسبب فضول الأطفال للدخول إلى مواقع غير أخلاقية، أو تواصلهم إلكترونيا مع أشخاص مشبوهين، وإصابتهم بالخمول والكسل، لدرجة أن بعض الأطفال يرفضون الخروج في فسحات عائلية في العطلة الصيفية، مفضلين البقاء في منازلهم رفقة هواتفهم ” وحتى ولو خرجوا معهم، فتجدهم منزوين في مكان بمفردهم يتصفحون هواتفهم.. وهذا ما يدخل الطفل في مرحلة الإدمان الرقمي، وبات عرضة للعزلة الاجتماعية والتوحد” على حد قول محدثنا.
جفاف العينين وآلام الرأس وفقدان الشهية
ويذكر المختص، بأن كثيرا من الأولياء يقصدونه في عيادته يشكون إدمان أطفالهم على الألعاب الإلكترونية، ومواقع الترفيه والتسلية، وحتى على المواقع الإباحية، ومؤكدين أن بداية إدمانهم كانت خلال العطلة الصيفية الطويلة.
وأكبر خطر يواجهه الطفل المدمن رقميا، يقول المختص النفساني هو “تدني المستوى الدراسي لهذا الطفل بعد العودة إلى المدارس، بعدما يتحوّل إلى شبه آلة جل تفكيره يكون منحصرا في عالم رقمي خيالي لا يمت للواقع بصلة”، بينما تتمثل الأعراض الجسدية لمدمن الهواتف الذكية، بحسب ما ذكره حسام زرمان، في تعرض الطفل لخطر جفاف العينين وما يصحبه من مشاكل نقص النظر وتضرر الشبكية، تسجيل آلام متواصلة في الرأس والظهر، فقدان الشهية التدريجي وتناول وجبات غير منتظمة، إهمال النظافة الجسدية، ومعاناة الطفل المدمن رقميا من أرق وعدم انتظام في ساعات نومه.
الأطفال بحاجة لنشاطات ترفيهية وتعليمية صيفا
أما الأعراض النفسية لمدمن الإنترنت، بحسب المتحدث، فتتمثل في الشعور بالنشوة في أثناء استعمال الإنترنت، وعدم القدرة على التوقف، الشعور بالفراغ والقلق واختلاق الأكاذيب للعائلة حول طبيعة تصفحه للهاتف.
وعليه يحذر المختص الأولياء من ظاهرة الإدمان الرقمي لأطفالهم خلال العطلة الصيفية، داعيا إلى استغلال العطلة الصيفية لتعليم أطفالنا سلوكات وأنشطة بديلة ومفيدة، ومنها حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ممارسة رياضة معينة، تسجيلهم في نواد رياضية أو جمعيات علمية، تعليمه حرفة بسيطة، بالإضافة إلى تسطير برنامج للخروج في فسحات ترفيهية وتثقيفية وخيرية، مثلا زيارات إلى المتاحف، زيارة المرضى بالمستشفيات والتبرع لهم بما يحتاجونه، تعويد الطفل على تأدية بعض الصلوات في المساجد خلال العطلة، لنغرض فيهم حب المساجد منذ الصغر.
ويضيف زرمان: “لا نمنع عنهم الهواتف الذكية دفعة واحدة، بل نمنحهم فترة معينة لتصفحها مثلا ساعة أو ساعتين في اليوم لا أكثر”.
وكان المُختص في شؤون التربية والخبير في المناهج التربوية، وابل محجوب، دعا القائمين على وزارة التربية الوطنية، لاستغلال العطلة الصيفية الطويلة، والتي يجب أن تتجاوز الشهرين، حتى تحقق أهدافها التربوية وتكون متطابقة مع الشروط الأساسية لقواعد العلم. وأيضا لإعادة إدماج التلاميذ مدرسيا خاصة صغار السن، الذين أضحوا ينسون حتى الحروف بعد العودة إلى مقاعد الدراسة، بسبب طول العطلة والتي تصل إلى أربعة أشهر من تاريخ 22 ماي إلى 21 سبتمبر.
ويقترح الخبير في تصريح لـ”الشروق”، بتخصيص الشهر الأول للعطلة الصيفية للراحة والشهر الثاني للاستثمار الثقافي والنشاط الترفيهي المخطط له.
وحتى بالنسبة للأستاذ، فأشار وابل محجوب، إلى أن ما يقال عن التلميذ ينطبق أيضا عليه، لأن المربي الذي قضى عطلة طويلة بحسب الظروف والإمكانات المتاحة له، يحتاج إلى مباشرة العمل حتى تستغل طاقاته بصفة عقلانية، ويجد بذلك متسعا من الوقت لتوزيع مجهوداته بحسب وتيرة السنة الدراسية، وأي خلل في ذلك يسبّب له ضغوطات إضافية.