-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسلسل المجلاّت البرازيلي… يتواصل

مسلسل المجلاّت البرازيلي… يتواصل

قبل تناول هذا الموضوع نودّ ملاحظة أن العديد من الزملاء والقراء ممن اطلعوا على مقال “مجلة برازيلية تستهوي باحثينا، لماذا؟”، الصادر يوم 4 جانفي الجاري في الشروق (صفحة الرأي)، أفادونا بآرائهم المتناقضة: فمنهم من يرى من المهم القيام بتنبيه الراعي والرعية إلى هذا الداء، ومنهم من يعتقد أن اعتبار المجلة من صنف “المجلات المفترسة” بعد أن نشر فيها ذاك الكم من الباحثين الجزائريين يعدّ صدمة لطلبة الدكتوراه بصفة خاصة، كما يعتقدون أن ذكر مجموعة الجامعات العشر الأولى التي نشر باحثوها في هذه المجلة سيئة السمعة يحمل إساءة لتلك الجامعات…

بهذا الخصوص، لا نحتاج إلى البرهان على أن لا نيّة لنا في الإساءة لمؤسسة أو لباحث بعينه وإنما الغرض تنبيه العام والخاص إلى سلوكات لا تقبلها الأخلاق التي تسعى إلى رفعة شأن البلاد ومؤسساتها الجامعية والبحثية. وبطبيعة الحال، فالوصاية (وزارة التعليم العالي) هي المسؤولة الأولى عن هذا الوضع لأنها لو تفطنت في الوقت المناسب إلى طبيعة هذه المجلة وأمثالها لمَا وصلنا إلى هذا المستوى في مجال النشر العلمي. وهذا لا يمنعنا من التأكيد على أن الباحث الناشر في هذه المجلة يتحمل أيضا قسطا كبيرا من المسؤولية لأسباب لا تخفى على أحد. من جهة أخرى، نحن لم نقيّم أي بحث صادر في تلك المجلة، ولا نستبعد أبدا أن عددا من البحوث المنشورة -قد يكون معتبرا- يستحق النشر في مجلات أرقى.

غايتنا من هذا المقال اليوم لفت الانتباه إلى مجموعة أخرى من المجلات سيئة السمعة التي تبتز الباحثين الجزائريين دون سواهم تقريبا. فبعد صدور مقالنا السابق حول المجلة البرازيلية، راسلنا أحد الزملاء الفيزيائيين العاملين في الجزائر مبرزا البرقية التي وصلته من دار نشر برازيلية تحثّ -كما تفعل الكثير من المجلات عبر العالم- على النشر في إحدى المجلات التي تصدرها. ونصُّ رسالة هذه الدار يوحي بعدم جدية النشر فيها. وهذه مقاطع من تلك البرقية تقنعنا بذلك:

“أعزائي العلماء، يسعدنا دعوتكم لتقديم مقالاتكم إلى إحدى مجلاتنا الرصينة في البرازيل. تغطي هذه المجلات مجموعة واسعة من التخصصات، وهي مصنفة الآن في “الصنف ب” لدى المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في الجزائر… وهذا يعزز مرئية وتأثير بحوثكم. المجلات المتاحة هي:

Brazilian Applied Science Review

Brazilian Journal of Business

Brazilian Journal of Health Review

Brazilian Journal of Animal and Environmental Research

Brazilian Journal of Technology

“معلومات إضافية:

لا حاجة لتنسيق إخراج مقالكم؛ سيتولى فريقنا ذلك بالنيابة عنكم.

نقدم عملية استلام ونشر مستمرة.

الحد الأقصى لمدة تقييم ونشر المقال هو 8 أيام فقط.

اللغات المقبولة: الإنكليزية، الفرنسية، البرتغالية، الإسبانية.

الخطوات التالية: الرد على هذا البريد الإلكتروني لتأكيد اهتمامكم بالنشر معنا. ثم اختيار طريقة الدفع لرسوم النشر (إيداع بنكي أو “بايبال” أو بطاقة ائتمان). دفع رسم 65 دولار أمريكي (رسم مرة واحدة لكل مقال)….”

“شكرًا لاهتمامكم بدعوتنا. نتطلع إلى استلام إسهاماتكم. نحن متشوّقون للعمل معًا من أجل تعزيز التميّز الأكاديمي والتقدم في مجال اختصاصكم”. (انتهى نص البرقية البرازيلية).

نلاحظ بخصوص المبلغ المطلوب (65 دولار) أنه يكون ساري المفعول عندما لا يتجاوز عدد المؤلفين للمقال 8 باحثين. أما إن زاد عن ذلك فينبغي دفع مبلغ إضافي.

دعنا نلقي نظرة على هذه المجلات الخمس لمراقبة تعاملها مع الباحثين الجزائريين.

المجلة 1 (العلوم التطبيقية):

تصدر المجلة منذ 8 سنوات. وقد لاحظنا أن مجموع المقالات المنشورة في العدد الأخير بلغ  39 مقالا، منها 24 مقالا من جامعات جزائرية. أما عدد الباحثين الجزائريين الذين شاركوا في هذه البحوث فيقارب 60 باحثا. ما نلاحظه أيضا أن البحوث متباعدة الاختصاصات إذ ضمّت مثلا مقالات حول الوَشْم وحول علوم التربية (مؤلفوها جزائريون)، وهي مواضيع لا تصنف حسب علمنا في باب “العلوم التطبيقية”. مما يوحي أن المجلة يهمها النشر قبل مراعاة التطابق مع اختصاصها.

المجلة 2 (المال والأعمال)

ما يُحيّر منذ الوهلة الأولى هو أن المجلة (مثل أخواتها) تطلب حوالي 225 دولارا أمريكيا من الباحثين البرازيليين و 150 دولار من باقي الجنسيات، وتستثني منها الجزائريين فقط حيث لا تفرض عليهم سوى 65 دولار (كما جاء في الرسالة الموجهة لزميلنا)… بل تضيف المجلة أن هذا السعر تم تحديده “بالاتفاق مع الجزائر” (agreement with Algeria). ولم نفهم مع أي جهة تم إبرام هذا  الاتفاق.

في العدد الأخير من سنة 2024 من هذه المجلة بلغ عدد المقالات المنشورة 66 مقالا، منها 23 مقالا من الجامعات الجزائرية بأقلام 55 باحثا جزائريا. أما كتّاب المقالات الأخرى فهم من المكسيك وبانما والبرازيل وكولومبيا والاكواتور والبيرو والموزمبيك. لكن الجنسية الأكثر حضورا في العدد هي الجزائرية. ذلك ما يزيد في شكوكنا حول جدية المجلة.

 المجلة 3 (الصحة)

مجلة عادية تبدو جادة، والغريب أنه لم ينشر فيها أي جزائري، ولم يُذكر فيها أي تمييز للجزائريين بخصوص المبلغ المطلوب لقاء نشر المقالات. لكننا نلاحظ أن معظم كتابها من أمريكا اللاتينية.

المجلة 4 (الحيوان والبيئة)

ظهر أول عدد للمجلة قبل 7 سنوات. وفي العدد الذي انطلق في جانفي 2025، نلاحظ ظهور 23 مقالا، منها 15 مقالا من جامعاتنا بأقلام نحو 54 باحثا جزائريا. أما آخر عدد من السنة 2024 فشمل 166 مقالا، منها 65 مقالا من جامعاتنا والبقية بأسماء من محيط البرازيل.

المجلة 5 (التكنولوجيا)

تصدر المجلة منذ 7 سنوات، وعدد المقالات المنشورة في العدد الأخير من السنة 2024 بلغ 51 مقالا. وعدد المقالات الصادرة بأقلام جزائرية 45 مقالا. وباقي المقالات: 5 من البرازيل و 1 من الاكواتور. أما عدد الباحثين الجزائريين الواردة أسماؤهم في هذا العدد فيفوق 140 باحثا.

ومن غرائب ما نجده في المقالات الجزائرية أن باحثا برتبة “أستاذ دكتور” ورد اسمه (كمؤلف) في 7 مقالات مختلفة في نفس العدد! ومن الجزائريين أيضا من ورد اسمه (كمؤلف) 5 مرات في نفس العدد. كما نجد مجموعة معينة من الباحثين كتبوا مقالات عديدة في العدد ولم يغيّروا في قائمة المؤلفين سوى ترتيب أسمائهم.

نشير في الأخير إلى أن عدد المجلة الذي انطلق هذا الشهر (جانفي 2025) يضم 10 مقالات (وهو يتزايد كل يوم)، منها 6 مقالات لجزائريين (وضعها 21 باحثا) و 3 من البرازيل و 1 من المكسيك.

يتضح من البرقية التي أرسلت لزميلنا من قبل الناشرين أنهم يستهدفون بوجه خاص الجزائريين. ومع ذلك فالجزائريون لم يعيروا المجلة المختصة في الصحة (المجلة 3) اهتماما لحد الساعة لأسباب منطقية. وباستثناء هذه المجلة فإن بقية المجلات المذكورة تسير على شاكلة المجلة البرازيلية التي قدمناها في مقال الأسبوع الماضي.  وعلى كل حال، فمعضلة النشر العلمي لازالت على أشدها وتتطلب منا جميعا البحث عن الحلول الناجعة التي لا يكون فيها ضرر ولا ضرار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!