-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مشروع القرن الحقيقي

مشروع القرن الحقيقي

خلال إشرافه على الجلسات الوطنية للفلاحة، استشرف الرئيس عبد المجيد تبون، بلوغ الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية الأساسية بعد سنتين، بشرط تكييف الإمكانات والمؤهِّلات التي بحوزة الجزائر. ولم يجد الرئيس حرجا في ضرب مثال إفريقي حيّ من إثيوبيا التي انتقلت بإرادة شعبها ومسؤوليها، من بلد تقتل المجاعة أهلها، إلى بلد تنتظر العديد من بلاد العالم بواخرها المكتنزة بالقمح لتُحيي شعبها، ومن المفروض أن يستعدَّ الجزائريون جميعا لأجل تحقيق هذا المبتغى الذي يمكن وصفُه بمشروع القرن الحقيقي، ومشروع الأمة الجزائرية الكبير، الذي يمنحها استقلالا غذائيا لا تحلم به الكثير من الأمم.
لقد فشلت الكثير من التحديات والمشاريع التي أعلنت عنها مختلف الحكومات من الاستقلال إلى غاية الآن، لأنها حادت عن الطريق أو ربَّما اعتمدت على الكثير من “اللعاب”، من دون التنفيذ أو بسوء التنفيذ، ولكن ما قاله الرئيس هذه المرة عن الإحصاء الدقيق وتشخيص الحالة، ومنح مفاتيح الحل للكفاءات والاستعانة بالخبرات الأجنبية ودحر البيروقراطية ومنح لكل مجتهد، نصيبه، يجعلنا نتشبَّث بهذا المشروع ونطالب بأن يتجنَّد له الشعب كلّه، حتى ذاك الذي يبيع الرغيف ويبتاعه، فلن يزعزع المتربصين بالجزائر أو الطامعين في تراجعها ووهنها، أكثر من سماعهم خبر اكتفائها الذاتي في إنتاج القمح بنوعيه اللين والصلب، واستقلالها الغذائي بالكامل، وربما تحوُّلها إلى سلة طعام لمن أراد أن يقتات من خيراتها.
عندما كانت فرنسا مستعمِرة للجزائر كانت تروّج لأطيب قمح في العالم بمنطقة قالمة، وأطيب برتقال في البليدة، وأحسن كرز في مليانة، وأحسن فراولة في سكيكدة، وألذّ لحم من خرفان الجلفة، وما إن استقلّت الجزائر، حتى اجتهدت لأن تفقدها استقلالها الغذائي، وبلغنا في بعض السنوات، درجة أن صرنا نستورد البيض والبصل والبطاطا طوال السنة، ومازلنا نستورد الحليب والسكر والقمح، وشارل ديغول نفسه له مقولة شهيرة: “لا تبحثوا عن أسباب الحرب في براميل البارود، بل في أهراءات القمح”، ومن المؤسف أن يستهلّ الجزائريون، كلهم من دون استثناء، يومهم بفطور صباح مصنوع من قمح وحليب وبُنّ وسكر وزبدة، كلها مستورَدة من الخارج، بل ما أقبح أن نبدأ يومنا بين نير الاستعمار الغذائي.
معركة القمح ليست مستحيلة، ولكن الذي يدرك بأن بلوغ سنبلات بلونها الأخضر، يتطلب عرقا وصبرا وتألما وترجّيًّا، عليه أن يتوقف عن الممارسات السلبية من عدم احترام الرغيف، برميه في القاذورات تحت أي عنوان، فقد كان الأجداد يقبّلون “الكسرة” ويمنحوها جبينهم، لأنهم يعرفون الطريق الشاقّ الذي سلكته قبل أن توضع بين أيديهم.
يجب أن لا ننتظر وصول سنتي الاكتفاء الذاتي، كمتفرِّجين، وإنما مباشرة العمل والمساهمة ولو بابتسامة تفاؤل لبلوغ “الاستقلال الحقيقي”، فقد قال المؤلف الإيرلندي الشهير بيرنارد شو: “السعادة مثل القمح، ينبغي ألّا نستهلكه إذا لم نساهم في إنتاجه”، وسيكون نصرا عظيما بعد مرور سنتين، ونحن سعداء ومستهلكين للسعادة وللقمح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!