-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل عاد الشام فعلا إلى أبنائه؟

هل عاد الشام فعلا إلى أبنائه؟

بعد اثني عشر يوما من بداية اجتياح فصائل المسلحين في سوريا لأهم المدن بما فيها دمشق، غطّى طوفان الإعلام الغربي وحلفاؤه في العالم العربي مشاهد متماثلة تبعث على تهييج عواطف الجماهير من جهة، ولكنها تطرح من جهة أخرى تساؤلات كبرى على متتبعي مسار بعث زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

طبيعيّ جدّا أن يسعد السّجين المُحرَّر من دواميس ظلم الأسد وزبانيته، كما هو طبيعيّ جدَّا أن يرقص ذووه والخائفون في بلاد الشام -وما أكثرهم- من عصابات الإجرام الأسدي وحلفائه.
وتعميم هذه الصور من الفرح والانتصار وإبرازها على أنّها “نصرٌ من الله” و”فتح مبين”، هو أقرب إلى تهييج مخيال العامّة، حتى ذهب بعضهم إلى تعميم صور بعض القادة المسلحين ليقول لبعض من ناصر الطاغية وزبانيته “اذهبوا فأنتم الطلقاء” حتى يبعث صورة التسامح والعدل أيام فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة.
هذا التهييجُ العاطفي للجماهير يخفي أمرا لابد من محاولة فهمه، لأنّ أمّتنا كانت دائما ضحية عواطفها الجيّاشة والمؤقتة لتستفيق على خدعة كبرى كانت هي وقودَها ومحرِّكها والمُمَكِّن لها.

كيف انقلب الإرهابيُّ على قائمة الأمم المتحدة والمطلوب أمريكيًّا مقابل 10 مليون دولار إلى رجل سلام وديمقراطية وحرية في لمح البصر؟ كيف انقلب الغرب وغالب دول المنطقة المُصنِّفة للتيار الإسلامي في خانة الإرهاب والمحارب له إلى الاعتراف بشرعيته في الشام؟ ما حقيقة هذا التيار الذي يتدثّر بالإسلام فيعترف ويُطبِّع مع الكيان الصهيوني ويُسالمه ويخاصم المجاهدين المقاومين المنافحين عن المسجد الأقصى؟

وإليك بعض مظاهر الاستعطاف وتجييش المشاعر وعواطف العامة للتغطية على الهدف الأساس، وهو ضياع الشام وتأمين الصهاينة وتحقيق مصالح حلفاء الحلف الأطلسي في المنطقة وتأمين أكبر للانفراد بالقيادة الدولية، ومن ذلك:
1- إظهار فظاعة وبشاعة الطغيان الأسدي وزبانيته، وفضل من فكّ قيد المساجين وحرّرهم من الجحيم الذي عانوا منه سنين طوالا.
2- التركيز على لقاء هؤلاء بوالديهم وأزواجهم وأولادهم وذويهم وأرحامهم بعد أن يئس الجميع من الجميع.
3- التركيز على مشاهد يتولى فيها دورَ البطولة أولئك الذين يمارسون سماحة الإسلام مع المُخالف بل وحتى المحارب الأسير، هؤلاء الذين يخاطبون الناس في المساجد والأسواق مُرجعين الفضل لله الذي أجزل عطاءه لهؤلاء المخلصين والمجاهدين وطالبي الحقّ والحرية.
4- الترويج لخطاب التسامح والعفو، وأنّ البلد اليوم بعد التحرّر يسع الجميع ولا مكان فيه للطائفية وتصفية الحسابات.
5- تأمين الدول المجاورة، وتأكيد نيّة قيادة البلاد الجديدة على تأمين جيرانها، فلا عداوة لها مع أحد، وأولويتها هي السلام لإعادة بناء البلاد.
إنّ إظهار هذه الجوانب العاطفية والإيجابية والتركيز عليها بل وفبركة كثير منها يبعث على القلق، ويطرح وابلا من الأسئلة المنطقية بالنظر إلى تاريخ المنطقة خاصة منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى يوم الناس هذا، ثم التغييرات المتسارعة التي يشهدها الصراع على قيادة العالم منذ بداية القرن الواحد والعشرين. ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر:
1- كيف انقلب الإرهابيُّ على قائمة الأمم المتحدة والمطلوب أمريكيًّا مقابل 10 مليون دولار إلى رجل سلام وديمقراطية وحرية في لمح البصر؟
2- كيف انقلب الغرب وغالب دول المنطقة المُصنِّفة للتيار الإسلامي في خانة الإرهاب والمحارب له إلى الاعتراف بشرعيته في الشام؟
3- ما حقيقة هذا التيار الذي يتدثّر بالإسلام فيعترف ويُطبِّع مع الكيان الصهيوني ويُسالمه ويخاصم المجاهدين المقاومين المنافحين عن المسجد الأقصى؟
4- كيف يُمكن لنظام الأسد الإجرامي بمساندة روسية إيرانية أن يصمد ثلاثة عشر سنة ويسقط في اثني عشر يوما بصفقة تركية روسية أمريكية، وربما بتغافل إيراني لتأمين برنامجها النووي؟
5- لماذا لم يُدِن أحد اعتداءات الصهاينة على المقدّرات الأمنية السورية وقضم بقية هضبة الجولان وتدمير كل وسائل الدفاع الجوي والبحري والذخيرة في سوريا؟
6- “الأحرار الجدد” في الشام لم يُحرِّكوا ساكنا ولو ببيان لإدانة العدوان الإسرائيلي على بلدهم، في حين أنّهم دخلوا في تصفية حسابات مع طوائف غير حليفة لهم في بلدهم!
7- هل تنظيم الكرد المسلح (قسد) -والذي كان يقاوم ظلم الأسد- حليفٌ أم معادٍ لقادة سوريا الجُدد؟ ونحن نعلم يقينا أنّ من أهمّ أهداف تركيا في دعم أحرار الشام هو منع “قسد” من مهاجمة تركيا؟
إذن عن أيِّ تحرير لسوريا يتحدّثون؟!
إنّ هذه السلسلة من الأسئلة لا يمكن أن تجد لها إجابة مقنعة عند هؤلاء الذين ينعقون صباحا ومساء باسم الحرية والتحرُّر ليكونوا أبواقا دعائية في ضياع دول بأكملها.
ولئن كان طغاة هذه الدول قد بدؤوا معركة زوالهم وزوالها بطغيانهم، فإنّ سطحية وعمالة المُبشِّرين بالقيادات الجديدة لا يقلّون لؤما وشؤما على هذه البلدان وشعوبها.
ويوم نُحسن التفريق بين الوطن والحكومات، وتكون حماية الأوطان أسبق من رشادة وعدالة وصلاح الحُكم والحُكاّم، حينها فقط نستطيع أن نُكوِّن صورة صادقة ووفية للمبادئ والقيم التي نتغنّى بها باسم الدين والحرية والكرامة. وبخلاف ذلك فلا دين ولا حرية ولا كرامة لطغاة الأمس ومتصنّعي التّحرر اليوم.
وبإعمال العقل الرّاشد وانتهاج الموضوعية في الإجابة على الأسئلة المطروحة تبعا لما يشهده الشرق الأوسط عموما والشام خصوصا، يمكننا القول بكل تأكيد إنّ الشام ضاع من أبنائه جميعا صالحهم وطالحهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!