آية الله وآية “الكرسي”
عندما تقترح وزيرة التربية الفرنسية، تدريس معاني القرآن الكريم، في المدارس الفرنسية، ويفكّر “عباقرة” التربية في الجزائر، في تدريس أطفالنا باللهجة العامية، وحذف التربية الإسلامية من امتحانات البكالوريا، نفهم لماذا ينجح الفرنسيون في بناء مجتمع يحمي أبناءهم من الضياع، ولماذا نسير نحن بسرعة فائقة نحو الضياع. فقد جاء اقتراح الوزيرة الفرنسية الشابة ذات الأصول المغاربية، ليس دفاعا عن كتاب الله، وإنما تطبيقا لقاعدة غربية جديدة، تدعو للتعرّف على الآخر، بينما جاءت كل الشطحات “التربوية” عندنا، لأجل أن لا نتعرف على أنفسنا، فما بالك بالآخر، فكان منطقيا أن تبقى الجامعات الفرنسية في المراكز الأولى عالميا، وتندحر الجامعة الجزائرية إلى مراكز ما بعد الثلاثة آلاف عالميا، بالرغم من أن المقرّر الدراسي الجزائري، من علم الآثار وفن الموسيقى إلى العلوم الطبية والهندسية، هو نسخة طبق الأصل من المقررات الفرنسية.
بعض الفرنسيين المحسوبين على الأحزاب اليمينية والمتطرفة، وكلها تعمل لصالح الأمة الفرنسية، من باب الإشهار وليس التشهير بوزيرة التربية الفرنسية، سمّوا الآنسة نجاة فالو بلقاسم بـ”آية الله”، في إشارة إلى أنها تسير على خطى الإمام الخميني الذي اقترح منذ أربعين سنة، عندما كان منفيا في باريس، على الفرنسيين، تدريس القرآن الكريم في المدارس، وهم يعلمون بأن الوزيرة الشابة، إنما هي بصدد تطبيق سياسة فرنسية تحاول أن تبني إسلاما فرنسيا لا فرض فيه ولا سنّة، إلا ما شاءته فرنسا العلمانية، ولو بإدخال بعض الآيات القرآنية المختارة بمكر وبإتقان على الدستور، وليس على المقرّر الدراسي فحسب، ضمن الآية القرآنية الكريمة التي خصّ بها تعالى النصارى: “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض”، ولكن في الحالة الجزائرية، تبدو آية “الكرسي” الذي يجلس عليه المسؤولون هي السائدة في الوقت الحالي، فلا مشروع لصالح البلاد، ولا العباد، ولا نقول لصالح ثوابت الأمة، وسنكون مخطئين إذا تصورنا بأن أطرافا أجنبية تحاول زعزعة الأمة، لأن معاول الهدم جميعها من الداخل.
يحفظ كل الجزائريين المقولة التي تقرّ بأن المسؤولية تكليف وليست تشريفا، ويتابعون في دول عديدة كيف يعجز بعض المسؤولين عن التكليف، فيرمون استقالتهم، ويتابعون كيف يتحوّل التشريف في الجزائر، إلى تشريف للأبناء، وأيضا للعشيرة وأهل الدوّار، وعندما يفكر مسؤول في عمل، يقدّم “شطحة” لا تفكير فيها ولا إبداع –إذا أحسنا الظن– على وزن تدريس العامية في المراحل الدراسية الابتدائية.
ما أنفقته الجزائر على الرياضة في السنوات الأخيرة، فاق ما أنفقته بلدان بصدد التحضير لاحتضان كأس العالم والألعاب الأولمبية، ومع ذلك ما زالت الجزائر تجتر ملاعب عمرها نصف قرن، ولا تجد مساحة مئة متر صالحة للعب الكرة، وما أنفقته الجزائر على السياحة فاق ما يصرفه الجيران مجتمعون الذين يزورهم ملايين السياح من القارات الخمس، ومع ذلك يبدو أحسن فندق في الجزائر، أكثر بؤسا من أسوأ فندق لدى جيراننا، وما أنفقته الجزائر على الطريق السيّار، فاق تكلفة مشروع إفريقي قديم يصل جوهانسبورغ بالجزائر العاصمة، ومع ذلك شاخ الطريق وانهار قبل تدشينه، وما أنفقته على الزراعة يغذي الكرة الأرضية، ومع ذلك لا نأكل الرغيف ولا نشرب الحليب إلا إذا جاءتنا به البواخر من هنا وهناك، وما أنفقته الجزائر على قطاع التربية في العقدين الماضيين يفوق ميزانية دول كثيرة، باعتراف الوزير الأسبق بن بوزيد، ومع ذلك فكّر “عباقرة” القطاع وتمخضوا، فولدوا…..؟