الرأي

أثر تزكية النفوس في صناعة القدوات

إن تزكية النفوس وتطهيرها مقصدٌ عظيم من مقاصد الإسلام، فهي منتهى غاية القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وذلك بغرس العقيدة الصحيحة والقيم السامية والأخلاق الفاضلة في نفوس المؤمنين، وهو ما ينسجم مع مقتضيات العقل السليم ونوازع القلب السليم، ويقود صاحبه للفلاح في الدنيا والآخرة، وليس أدل على أهمية التزكية من القسم المطوّل الذي جاء في القرآن الكريم ليؤكد على حقيقة فوز من زكّى نفسه، وخسران من أضلها وأغواها في الدارين، قال تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس:1 – 10].

فهذا القسم المغلظ يحمل في طياته التشديد على أهمية التزكية والتنبيه إلى خطورة إهمالها.

والتزكية من الغايات الأساسية التي بعث لأجلها سيد الخلق وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وورد ذلك باللفظ الصريح في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة:2]. والحقيقة أن أي قارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يلحظ أنها باختصار أعظم رحلةٌ دعوية شهدها التاريخ البشري في تزكية النفوس وتطهيرها من نوازع الكفر والشرك والنفاق، ومن آفات المعاصي والشهوات ومفاسد الأخلاق.

وقد اتسم المنهج النبوي العظيم في تزكية النفوس بالتوازن والشمولية التي أحاطت بجميع العناصر التي تتعلق بها عملية التزكية لدى الإنسان وهي العقل والروح والجسد، وذلك بما يتفق مع منهج القرآن الكريم في خطابه للإنسان، ويمكن تحديد جوانب تلك التزيكة وأساليبها في آيات القرآني الكريم بوضوح.فالتزكية العقلية في المنهج القرآني قامت على عدة نقاط وأساليب وأهمها:

واهتم الإسلام بجانب التزكية الروحية التي اعتبرها الشرط الأساسي لتزكية النفوس، فقد رَبَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أصحابه على تزكية أرواحهم، وأرشدهم إلى الطَّريق الَّتي تساعدهم على تحقيق ذلك المطلب مسترشداً بالقرآن الكريم الذي شملت آياته جوانب وسبل تلك التزكية وأهمها:

ولم يهمل الإسلام جانبالتَّربية الجسديَّة، فقد حَرَصَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  على تربية أصحابه جسديّاً، واستمدَّ أصول تلك التَّربية من القرآن الكريم، بحيث يؤدِّي الجسم وظيفته، الَّتي خلق لها، دون إسرافٍ أو تقتيرٍ، ودون محاباةٍ لطاقة من طاقاته على حساب طاقةٍ أخرى. ومن أهم قواعد وضوابط التزكية الجسدية التي تضمنها المنهج القرآني والنبوي:

استطاع هذا المنهج الدعوي والتربوي العظيم في تزكية النفوس، والذي تضمنه القرآن الكريم وسار عليه النبي صلى الله عليه وسلم، أن يزكّي الأرواح، وينوّر العقول، ويحافظ على الأجساد، وهو ما نتج عنهإعداد الشَّخصيَّة الإسلاميَّة الرَّبَّانيَّة المتوازنة التي تجسدت بشكل واقعي وعملي في الكثير من عظماء وقادة وأئمة المسلمين عبر تاريخهم، والذين مثلوا القدوة المثالية والمثال الأعلى الذي تقتدي به وتسير على دربه أجيال المسلمين في ماضيهم وحاضرهم، كالخلفاء الراشدين والصحابة وفضلاء التابعين، وجيل الفاتحين الأوائل، والأئمة الأربعة، وكبار العلماء والفقهاء، والخلفاء والقادة والأمراء الذين اشتهروا بالعدل والغيرة على الدين والأمة، وجرت على أيديهم أعظم الانتصارات والفتوحات في تاريخ الإسلام.

مقالات ذات صلة