أخيرا.. نقطة ضوء
خبران، أطلّ بهما الإعلام الجزائري، مع الدخول الاجتماعي الجديد، من المفروض أن يكونا نقطة ضوء، في عتمة التشاؤم، الذي صار ضمن “كروموزومات” الجزائريين، يتعلق الأول بإنتاج أول سيارة في مصنع رونو في وهران، حسب وزير الصناعة والمناجم السيد عبد السلام بوشوارب، والثاني يخصّ إنتاج الأنسولين بقسنطينة، حسب مدير صيدال، تزامنا مع انطلاق مصنع تيزي وزو قريبا، في إنتاج دواء جديد لداء السكري حسب المدير العام لأكبر مؤسسة للدواء في العاصمة النمساوية فيينا.
إذا علمنا بأن الجزائر هي أول مستهلك للسيارات في القارة الإفريقية، وهي من البلدان النادرة في العالم التي لا تُصنّع السيارات على أرضها، فإن ما تحقق في وهران، برغم الانتقادات وبرغم نقاط الظل الكثيرة حول تأخر إنتاج السيارات في الجزائر، هو وصول للجزائر متأخرة، ولكنه أحسن من أن لا تصل إلى هذا العالم الصناعي، الذي حوّل تركيا إلى أحد أكبر مصدري السيارات إلى الجزائر وإلى غيرها، بالرغم من أن كل هذه السيارات التي يأكل منها الأتراك “الخبز والبقلاوة” من إنتاج فرنسي وألماني وياباني، وستحقق الجزائر إنجازا مهما لو تمكنت من إرضاء السوق الجزائرية بسيارات مصنوعة في الجزائر بيد عاملة جزائرية، كما هو حاصل في إيران وتركيا وإندونيسيا وغيرها من البلاد التي تأكل ما تنتج وتركب ما تٌصنّع، وتلبس ما تنسج، خاصة أن الجزائري يسير بسرعة نحو معدل سيارة لكل مواطن، أما إذا توقفت هذه الخطوة عند سيارات رونو ومنطقة وهران، بمعدلها المجهري الحالي وهو خمسة وعشرون سيارة، فإن نقطة الضوء ستبتلعها عتمة التشاؤم.
ويتزامن البدء في إنتاج الأنسولين الجزائري، مع “الافتخار” الذي أبدته فرنسا مؤخرا، عندما أعلنت بأنها تُورّد للجزائريين مليار أورو من الأدوية، في شبه استعمار صحي لا يختلف كثيرا عن استعمار الثقافة والعلم والغذاء، وإذا اقتصر الأمر على تصنيع الأنسولين فقط، فإن الأمر سيرفع السكّري، لدى الجزائريين الطامحين لأن يقرؤوا ولأول مرة في حياتهم صادرات جزائرية من غير المحروقات، وواردات للجزائر بفواتير دون مليارات الدولارات، كما هو الشأن في كل بلاد المعمورة التي استغلت كل طاقاتها الطبيعية والبشرية، ومن دون عقدة تمكنت من تصنيع ما تستهلكه وما تصدره للخارج، أو على الأقل ضروريات الحياة، لأنه من غير المنطقي أن يبقى رجال الأعمال في الجزائر هم من مستوردي الزيت والإسمنت والدواء وشركات الاستيراد والتصدير مجرد شركات للاستيراد والاستيراد فقط.
في كتب التاريخ والجغرافيا التي يدرسها أبناء الجزائر، تعلمنا جميعا بأن الموقع الاستراتيجي للجزائر هو من طمّع الاستعمار في خيراتها، كونها بوابة القارة السمراء وأكبر بلد إفريقي وعربي، وعبرها توغل الاستعمار ومدّد قدميه شرقا وغربا وجنوبا، وضحى بكل المستعمرات من أجل القطعة الأكبر والأثرى، وفي كتب الواقع، ندرك أن الجزائريين لم يلتفتوا إلى ما حباهم الله من نِعم، وتأخروا عن دول أقل شأنا منهم، وقد تكون رونو والأنسولين نقطة ضوء؟