الجزائر
الخبير في القانون الدستوري عامر رخيلة

أرقام الاستفتاء تنزّه الدستور الجديد من القصور القانوني

محمد مسلم
  • 3711
  • 14
الشروق
عامر رخيلة

حصل مشروع الدستور الجديد على موافقة غالبية المصوتين في العملية الاستفتائية التي جرت الأحد، ليصبح بذلك الدستور الثامن للجزائر المستقلة، لكن هل تؤثر محدودية نسبة المشاركة على شرعية ومصداقية الوثيقة الجديدة الأسمى للبلاد؟

نسبة المشاركة في الاستفتاء، وفق الأرقام التي كشف عنها رئيس السلطة الوطنية للانتخابات الجزائرية محمد شرفي، كانت في حدود 23.77 بالمائة، لكن نسبة المصوتين بـ”نعم” فاقت الخمسين بالمائة ووصلت 66.8 بالمائة من الأصوات المعبر عنها، وهو ما يضعها في المستوى الذي يعطي القوة القانونية لشرعية الدستور الجديد.

أما نسبة الذين لم يصوتوا فقد كانت كبيرة، حيث اقتربت من حدود الـ76 بالمائة، لكن هذه الفئة يمكن تقسيمها إلى صنفين، الصنف الأول هي الفئة التي قاطعت العملية الاستفتائية، أما الصنف الثاني فهي الفئة التي مارست هوايتها في العزوف عن الصناديق.

وفي هذه المسألة يرى الخبير في القانون الدستوري وعضو المجلس الدستوري الأسبق، عامر رخيلة، أن القضية يمكن التعاطي معها من خلال مقاربتين، الأولى هي المقاربة القانونية، أما الثانية فهي المقاربة السياسية.

المقاربة القانونية في الحالة التي نحن بصددها، وفق الخبير الدستوري، تشير إلى أن المصوتين بـ”نعم” أكثر عدديا من المصوتين بـ”لا”، وهذا يعني أن مشروع الدستور الجديد اجتاز الاختبار القانوني بنجاح، وأن مسألة دخوله حيز التنفيذ، تبقى مسألة وقت، أي يبقى تأشير المجلس الدستوري، ومن بعد ذلك صدوره في الجريدة الرسمية، وهذه مسألة إجرائية لا غير.

أما من الناحية السياسية فالأمر مختلف فالأغلبية الساحقة من الجزائريين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، وهذا يمكن اعتباره عامل إزعاج لمصداقية الدستور الجديد، برأي الخبير الدستوري، لكنه أشار إلى ظاهرة عامة برزت خلال السنوات الأخيرة، وهي المتمثلة في العزوف عن الانتخابات.

يقول رخيلة: “حقيقة، هناك مشكلة عزوف منذ مدة، وهذه الظاهرة ليست في الجزائر فقط، وإنما في العديد من الدول، ومن ثم فمن غير المعقول إسقاط شرعية الدستور لاعتبارات سياسية، طالما أن قاعدته القانونية سليمة”.

لكن الخبير الدستوري يتحدث عن مقاربة أخرى، مفادها أن الدستور ليس مجرد قانون عادي، كونه يتصف بالشمولية والديمومة، الأمر الذي يجعل من مسألة حصوله على موافقة شريحة أكبر من الناخبين أمرا مهما من الناحية السياسية، لكن من دون أن ينقص شيئا في شرعيته من الناحية القانونية.

المسألة الأخرى التي فجرتها نتائج هذا الاستفتاء، هي الجدل السياسي الذي يمكن أن يترتب على هذه النتائج، فكما هو معلوم، هناك فئتان من المعارضين للدستور الجديد، الفئة الأولى هي التي دعت على التصويت بـ”لا”، وهناك فئة ثانية من المعارضة أيضا، وهي التي دعت إلى المقاطعة. فهل يمكن القول إن الشريحة التي لم تذهب إلى صناديق الاقتراع، اتخذت قرارها بدافع المقاطعة أم لاعتبارات أخرى؟

ما معلوم هو أن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات خلال السنوات الأخيرة لم تكن وليدة الاستفتاء الحالي، بل تعود إلى سنوات خلت، وكانت السمة البارزة حتى في الانتخابات المحلية، التي تعتبر الأكثر أهمية بالنسبة للناخب، لأن مشاكله اليومية في تماس مباشر مع الناخب المحلي.

وعليه، يمكن القول إن انخفاض نسبة المشاركة، لا يعني أن الناخبين استجابوا لدعوات المقاطعة التي رفعتها بعض الأحزاب، وإنما التقت مع ظاهرة العزوف المتفشية، وربما يكون أصحاب هذا الموقف قد حسبوا هذا الحساب.

مقالات ذات صلة