الرأي

أريحونا.. منها

تصوّروا جزائرا بلا بطولة في كرة القدم، تصوّروا هاته الملايير التي تنفقها الدولة وشركاتها الكبرى على لاعبي كرة، بعضهم، قارب راتبه الشهري النصف مليار، تُحوّل إلى قطاعات أخرى، أو دعونا نقول إلى رياضات أخرى، أكيد أن الأمر لن يزعج أحدا بما في ذلك مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم الذي يعتمد بالكامل على لاعبين ينشطون في البطولات الأوروبية وفي قطر والولايات المتحدة الأمريكية.

من المفروض أن تتحول أزمة قتل اللاعب الكامروني إيبوسي إلى همّة على وزن المعادلة الفكرية لجمال الدين الأفغاني، ولكننا متيقنون بأن المعادلة في الجزائر تنقلب دائما وتتحول الأزمة إلى أزمات واعتدال المعوج غير وارد إطلاقا، لأجل ذلك باشر جزائريون عن قناعة جمع توقيعات في شبه انتخابات غير مباشرة، لأجل إسقاط هاته الكرة التي كبرت مثل كرة الثلج ولكن بالمتفجرات، وبدلا من أن تتحول الأخلاق من المدارس والبيوت والمساجد إلى ملاعب الكرة، حدث العكس وتمكن شعب الكرة من تصدير موبقاته إلى البيوت والشوارع وحتى إلى المساجد.

وسيطرت الأجواء المشحونة التي نشاهدها في الملاعب على كل مواقع المجتمع، فصارت أعراسنا عبارة عن مواكب سيارات على شاكلة احتفالات الكرة، وولائمنا بالشماريخ الممنوعة في كل بلاد العالم إلا عندنا، حتى أغاني الأعراس بلغت حضيض الملاعب، ومن دون أن يدري الجزائريون وجدوا أنفسهم يعيشون في ملعب كبير تزيد مساحته عن مليوني وربع المليون كيلومتر مربع، وهم يصيحون في أجواء من العنف الذي يهدد المجتمع الذي هو قوام الدولة.

سؤال لا نظن أن رئيس ناد أو مدربا أو لاعبا أو مشجعا أو صحافيا سيختلفون في الإجابة عنه، وهو ما الذي قدمت مختلف البطولات الكروية، على مدار عقدين كاملين للمجتمع الجزائري وللرياضة الجزائرية، بل وحتى لكرة القدم الجزائرية؟

بل إن الجميع لن يختلفوا على عدّ العشرات من الكوارث، التي طالت البلاد بداية من تبذير الأموال، إلى درجة أن أي لاعب كرة في الجزائر يزيد راتبه عن راتب أي وزير جزائري، وانتهاء بتقديم صورة غير أخلاقية لجزائريين صاروا ينطقون لغة سوقية، ثم نقلوها إلى الشارع وإلى المدارس والجامعات فتداولتها ألسن الرجال والنساء وللأسف الأطفال.

أما عن مستوى كرة القدم الجزائرية، فإننا سنظلم أنفسنا لو منحناها أي رقم في التنقيط، فالكل يعلم أنها لم تمنح الجزائر، منذ سنوات موهبة واحدة يمكن أن تنافس ما تقدمه بلاد فقيرة في القارة الإفريقية مثل الكامرون ومالي، وتحولت الكرة إلى كنز أحاط من حوله الانتهازيون، في الوقت الذي قدمت الجزائر أيضا منشآت رياضية قاعدية أساءت للجزائر التي صار مسؤولوها يصابون بالإسهال كلما اقترب موعد كرة، بينما تسري وتعرّج الأندية الجزائرية إلى القرى التونسية صيفا وشتاء، بحثا عن إعداد نفسي وبدني لموسم كروي في الجزائر، كان ينتهي دائما بحكايات “الشكارة” وصار يبدأ الآن.. بالموت.

مقالات ذات صلة