الرأي

أزمتنا الأخلاقية أخطر من الأزمة البترولية!

حفيظ دراجي
  • 9034
  • 0

يكثر الحديث هذه الأيام حول تراجع أسعار النفط وانخفاض مداخيل الجزائر، وانعكاساته على الحياة اليومية للجزائريين، وعلى الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على صادرات النفط بنسبة 98٪، وفي الوقت نفسه لا أحد يتحدث عن الأزمات الأخرى التي نعاني منها في كل مناحي الحياة وعلى كل المستويات الفكرية والمعنوية والأخلاقية التي أدت إلى انهيار القيم لدى الأفراد وتفكك الأسر وإلى هشاشة النسيج الاجتماعي.

أسعار النفط قد تعود إلى الارتفاع بعد فترة من الزمن، ونعود إلى ممارسة سياسة شراء الذمم وتوزيع الريع لإسكات مختلف الفئات الاجتماعية، لكن تدهور القيم والأخلاق لا يمكن تداركهما، ولن نقدر على إصلاح ما أفسدته الممارسات المتراكمة، ولن نقدر بعدها على استعادة ثقة الجزائريين في أنفسهم وبعضهم بعضاً، ولن نقدر على استعادة تلك القيم التي كانت سائدة بين الجزائريين!

أزمتنا اليوم هي أزمة رجال وثقة وأخلاق وقيم تدهورت وتراجعت مع مرور الوقت بسبب صراعات الساسة على السلطة من أجل البقاء فيها أو الوصول إليها، وبسبب غياب مشروع مجتمع يقوم على العدل والمساواة أمام القانون، وبسبب فشل السلطة في الاستثمار في أبنائها وفي تشجيع الكفاءات بغض النظر عن انتماءاتها وتوجهاتها السياسية.

في كل بلاد العالم يعتبر الإنسان رأسمالا حقيقيا أغلى وأهم من برميل النفط ومن كل الثروات المادية والطبيعية، لكن عندنا لم نولِهِ أهمية كبيرة، واعتقدنا بأن توفير الأمن والسكن والعمل يكفي لبناء الفرد والمجتمع وتحقيق التنمية الشاملة، لكننا اكتشفنا بأننا لم نهتم بالطفل والشاب والمرأة، ولم نهتم بغذاء الروح وبتثقيف أبنائنا والترفيه عنهم وتربيتهم على تقديس العلم والعمل وبذل الجهد لتحقيق الذات والسعي نحو الأفضل!

كثيرة هي البلدان والمجتمعات التي لا تتوفر على ثروات طبيعية ومادية، لكنها تمكنت من بناء مجتمعات متطورة ومتوازنة تسودها الأخلاق وتحتكم للقانون، في وقت تفاقمت عندنا كل الآفات الاجتماعية في الأوساط الأسرية والمدرسية والجامعية والمهنية، وفي الشارع والمسجد والملعب وكل المؤسسات.

تغول أصحاب المال وطغيان الجانب المادي على تفكيرنا وممارساتنا أفقد الجزائريين الكثير من القيم والمبادئ التي تقوم عليها المجتمعات الحديثة، والتي راحت تستثمر في قدراتها الفكرية والثقافية والعلمية، وتستثمر في الفلاحة والصناعة والسياحة والخدمات وفي ثروات لا تزول ولا تتأثر بانخفاض أو ارتفاع أسعارها كما هو الحال في البترول والغاز.  

الجزائر التي لم تقدر على تحقيق التنمية الشاملة عندما كان سعر برميل النفط يفوق المائة دولار، لن تقدر على تحقيق ذلك بعد ما تراجع السعر إلى أقل من ثلاثين دولارا، والجزائر التي لم تستثمر في بناء الإنسان منذ الاستقلال سيصعب عليها بناء مجتمع سوي ومنسجم ومتفهم للظروف الصعبة التي تنتظرنا في الأشهر والسنوات المقبلة، وعندها سندرك بأننا تعرضنا لكذبة كبيرة!  

مقالات ذات صلة