-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ثاموغلي

أفتوني في أمر دبلوماسيتنا!

أفتوني في أمر دبلوماسيتنا!

مصطلح” الدبلوماسية” قديم جدا، ظهر عند اليونان، كان مغزاه يعني الحماية التي يحظى بها المبعوث إلى خارج وطنه، بموجب وثيقة رسمية توجّه إلى صاحب السلطة في البلد المقصود.

  • ثم اتسع مضمونه في العصر الحديث، فصار يعني تسيير الشؤون الخارجية للدولة والمواطنين، وإدارة العلاقات الدولية، والجهود المبذولة للتوفيق بين مصالح الأمم المختلفة، بموجب القوانين والمعاهدات الدولية، والسعي لحل الخلافات بينها بطرق سلمية، أساسها الفطنة، والذكاء، والمرونة، لإبعاد خطر النزاعات المسلحة المهلكة للشعوب. وعليه فإن الدبلوماسية هي علم وفن في آن واحد، هدفها تحقيق مصالح الدولة على الصعيد الخارجي، علم يعتمد على الإحاطة بالقوانين والأعراف الدولية، وفن يتطلب الكياسة، والفراسة واللباقة في التعاطي مع القضايا المطروحة.
  • الثابت في العلاقات الدولية
  • لا يحتاج المرء إلى ثقافة موسوعية في مجال العلاقات الدولية، ليدرك أنه ليس هناك صداقة دائمة بين الدول، أو عداوة أزلية بينها، بل الثابت فيها هو المصالح القومية الإستراتيجية لكل دولة التي تعد بمثابة بوصلة، تدفع بأولي الأمر إلى مراجعة السياسة الخارجية كلما دعت الضرورة إلى ذلك، كأن  تظهر- مثلا- معطيات سياسية أو اقتصادية جديدة، تقتضي إعادة النظر في المعاهدات والتحالفات الإقليمية والدولية. وأكد التاريخ في هذا السياق أن المستجدات السياسية قد تدفع أحيانا بعض الدول إلى التحالف مع من كان خصما عنيدا لها، كما حدث بين العدوّين التقليديين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، اللذين تحالفا خلال أحداث الحرب العالمية الثانية من أجل مواجهة عدوهما المشترك، المتمثل في النظام النازي الألماني التوسعي. أو قد يحدث العكس، أي أن تتخلى دولة ما عن حليف قويّ لها، لأنه لم يعد قادرا على حفظ مصالحها، والأمثلة من الواقع كثيرة، كتخلي أمريكا عن الشاه حاكم إيران المستبد عقب قيام ثورة شعبية ضده بقيادة آية الله الخميني في أواخر القرن الماضي، وتخليها عن نظام الرئيس المصري حسني مبارك بعد قيام ثورة شعبية سلمية ضده في جانفي الماضي. وكذا تخلي فرنسا عن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بمجرد سقوط نظامه، إذ لم يسمح له الرئيس الفرنسي ساركوزي حتى بنزول طائرته فوق التراب الفرنسي، وهذا من باب الحرص على المصالح الفرنسية في تونس في ظل النظام السياسي الجديد الذي بدأت ملامحه تلوح في الأفق. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الاعتبارات الأخرى – كحقوق الإنسان والديمقراطية والصداقة بين الرؤساء- تسقط كأوراق الخريف بمجرد تعرض المصالح العليا للدولة للخطر، وهو ما يعني أنها مجرد شعارات ترفع للمغالطة والمخادعة قبل أن يحاس الحَيس.
  • دبلوماسيتنا فطنة أم فجاجة؟
  • إن المثير للجدل عندنا أن السلطة السياسية قد أبدت موقفا غريبا  إزاء ما يجري في ليبيا الشقيقة من حراك اجتماعي قوي، فرغم أن الأرض قد زلزلت بقيام ثورة شعبية ضد الطاغية معمر القذافي، الذي جثم على الشعب الليبي الشقيق لمدة أربعة عقود، أهلك فيها الحرث والنسل، فإن دبلوماسيتنا لم تكن في مستوى الحدث، كأن الأمر لا يجري على حدودنا الشرقية الشاسعة ولا يعنينا ! علما أن العالم قد تحرك، وبدأت الاعترافات بالوضع السياسي الجديد الذي صنعته الإرادة الشعبية، تتساقط على طرابلس من كل حدب وصوب، تحسبا لمصالح أصحابها بالدرجة الأولى! فبماذا نفسّر موقف الحياد الذي تخندق فيه حكامنا، وسكوتهم عن نصرة الحق في ليبيا، ومِثلُ الجزائر ذات الرصيد الثوري العريق لا يحق لها السكوت؟ أهو فطنة أم فجاجة؟
  • دعونا في البداية نستعرض مبررات وحيثيات موقف السلطة الجزائرية كما قدمها بعض المتحدثين باسمها، لنضعها بعد ذلك على محك المناقشة والنظر. بررت الجزائر موقفها بالمبررات التالية:
  • أ- تبني موقف الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، كمبدأ عام في سياستنا الخارجية.
  • ب – الاصطفاف وراء موقف الاتحاد الإفريقي.
  • ج- هاجس الإرهاب بعد تسلل عناصر القاعدة إلى صفوف الثوار الليبيين.
  • فما حظ هذه المبررات من الصواب ؟
  • قد تبدو هذه المبررات مقنعة لأول وهلة، لكن سرعان ما تتبخرعند مناقشتها وتحليلها. قد يكون الحياد منطقيا لو كان ” النزاع ” يجري بعيدا عن حدودنا الإقليمية، وما دام الوضع غير ذلك، فإنه من السذاجة السياسية أن ننتهج سياسة “النعامة” إزاء نزاع   يجري على أرض دولة شقيقة متاخمة لنا، نملك معها حدودا سياسية كبيرة، ولنا معها مصالح حيوية تقتضي منا اليقظة، وتفرض علينا العمل باللباقة للمساهمة في رسم معالم النظام السياسي الجديد هناك، ولن يتأتى ذلك إلا بالوقوف في خندق واحد مع الشعب الليبي الشقيق، الذي يحق له بعد أربعين سنة من المعاناة أن يتوق إلى الحرية والديمقراطية.
  • وبالنسبة للاتحاد الإفريقي، فإنه لا يصح أن تتحجج السلطة بالتزام موقفه، فهل يعقل أن تلتزم الدولة الجزائرية بموقف الدول الإفريقية التي تبعد بآلاف الكيلومترات عن موقع النزاع، وليس لها فيها مصالح حيوية؟ إن الصواب في رأيي هو أن تسعى الجزائر إلى التأثير في موقف الإتحاد الإفريقي بما يحفظ مصالحنا الحيوية في ليبيا. وكان أولى بالنظام الجزائري أن يستلهم الدرس من موقف الحكومة التركية إزاء النزاع السوري، المتميز بالانحياز إلى الشعب السوري، إذ لم يتوان الرئيس التركي عن الضغط على نظام بشار الأسد الشمولي، من أجل الإسراع بتطبيق الإصلاحات السياسية الديمقراطية، ولا شك أن المصالح الحيوية للدولة التركية المتاخمة لسوريا هي التي فرضت انتهاج هذه السياسة. أما خطر إرهاب القاعدة الذي لا يمكن تجاهله، فقد تحوّل إلى ” فزاعة ” في أيدي المستبدين العرب، إذ سبق لنظام زين العابدين بن عليّ أن لوّح به لتكسير الثورة التونسية، وحاول أيضا القذافي استغلاله. لكن هذه المخادعة لم تعد تنطلي على أحد، وأدركت الدول الغربية قبل غيرها- وهي المعنية بمحاربة الإرهاب- أن هذه الذريعة لا تعدو أن تكون ورقة ” التوت” التي تخفي عورات الأنظمة المستبدة في العالم العربي. وإذا كان من حق دبلوماسيتنا أن تتوجس منه خيفة، فقد بالغت في تضخيم دور التيار الإسلامي المتشدد إلى درجة اختزال الثورة في هذا اللون السياسي فقط، وهو الأمر الذي أزعج الشعب الليبي واعتبره مساسا بكرامته. وعلى أي حال فإن الخلاص من خطر الإرهاب الأعمى لا يمكن أن يأتي من خارج الحل الديمقراطي.
  • هـذا مكمن الداء
  • إذا عمقنا النظر في أسباب إخفاق الدبلوماسية الجزائرية في التعاطي مع الثورة الليبية، فإننا نجدها في عجز حكامنا عن التخلص من الفكر السياسي الأحادي، وعجزهم عن التحرر من منطق الحرب الباردة، والخطر الامبريالي. فرغم سقوط جدار برلين فعليا، فهو لا يزال قائما في أذهان حكامنا المخضرمين الذين مازالوا في سدة الحكم. وعجزوا عن الإدراك بأن العالم قد تغير، خاصة مع بزوغ العولمة  التي أنجبت تغيرات سياسية واقتصادية وإعلامية كبرى، فسقطت الديكتاتوريات في الشرق والغرب، وحلت محلها أنظمة ديمقراطية، وانهارت سياسة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أعطى دفعا للديمقراطية مكـّن الزنوج من الوصول إلى سدة الحكم في هـذين البلدين. وباختصار تحوّل العالم إلى قرية كوكبية مفتوحة، تقلصت فيها صلاحيات الدولة القطرية، لصالح المجتمع الدولي، ولم يعد لمفهوم “التدخل الأجنبي” أي معنى. والجدير بالذكر أنه لا يمكن لأي بلد أن يجد لنفسه موقعا في مركز هذا العالم الجديد إلا بتبني النهج الديمقراطي.
  • لكن الذهنية السياسية الأحادية الراسخة في العقول، قد دفعت بحكامنا إلى التلكؤ في تبني الإصلاحات السياسية، والسعي نحو التسيير المؤسساتي الديمقراطي للدولة، وإلى التشبث بالتسيير الفردي الخاضع للأهواء والمزاجية. ولا شك أن هذا التسيير التسلطي قد ألقى بظلاله على وزارة الشؤون الخارجية، التي صارت تفعل ما تؤمر ولا تخطط، تنفذ ولا تفكر، رغم توافر موارد بشرية لديها قادرة على رسم معالم سياسة خارجية ناجحة، فكان ما كان من إخفاق في التعامل مع ثورة الشعب الليبي ضد الطغيان والشمولية.
  • وخلافا لموقف السلطة السياسية المتخاذل، فإن أغلبية الشعب الجزائري قد تعاطفت مع الثورة الليبية، لكنها تأسفت  لوجود لمسة حلف الناتو فيها، أفضت إلى تعكير صفو المساندة. غير أنه لا يجب أن نغالي في الإنحاء باللائمة – في هذه النقطة- على أشقائنا الليبيين، الذين عانوا من ويلات الطاغية لمدة أربعة عقود، لأنه كما قيل قديما “ليست النائحة كالثكلى” فالشعب المعرّض للتقتيل والتعذيب من طرف حاكمه، أدرى بشؤونه، ومن ثم لا تهمه هوية “المسعف”  بقدر ما يهمه  طوق النجاة الذي يقدمه له، وهو في أخطر الحالات.
  • وفي الأخير لا يسعني إلا أن أعبّر عن الحيرة العميقة التي سكنت بين ضلوعي، وأتساءل، كيف ظهر في الجزائر المستقلة، مَن شكك في مصداقية ثورة الشعب الليبي ضد الطغيان والتسلط، وهو المعروف بدعمه السّخي لثورتنا التحريرية بالأمس القريب، فتفاعل معها قلبا وقالبا، وضحى بالنفس والنفيس، حتى كللت ثورة نوفمبر 1954م بالنجاح؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • zoheir

    لا فض فوك