أقراص منوّمة للنيام
أخيرا اجتمع نواب المجلس الشعبي الوطني، وأخيرا سُمعت أصوات بعضهم، من الذين صاموا منذ أن تذوّقوا الرفاهية تحت ظلال القبة الغالية، ليفطروا على مهزلة حقيقية تؤكد مرة أخرى بأن الذي يتحدث عن بصيص من الأمل، في بعض المؤسسات ومنها البرلمان، إنما يطارد خيط دخان، ويبني من بيوت العنكبوت الوهنة قصرا من خيال، يقدم للشعب أو لنفسه منوّم.. إن لم نقل السمّ الزعاف.
البرلمانيون لم يلتفتوا إلى أسعار النفط التي قاربت الثمانيين دولارا، أو لنقلها جميعا حافة إلقاء البلاد إلى غياهب التهلكة، ولم يلتفتوا إلى طوفان الاحتجاجات التي أتت على أخضر العمل، وجعلت البلاد مشلولة لا يعمل فيها سوى الذين تمكنوا من منبع المال، من الذين نسميهم مجازا رجال المال والأعمال، ولم يلتفتوا إلى شلل الحياة السياسية وانهيار الحياة الاجتماعية، أو الخطر الزاحف عبر الحدود، المهم أنهم تحت ظلال القبة الوارفة، حيث مرتب ضخم، قد لا يلجأون إليه ماديا من كثرة الهبات، وحصانة قد تُجرّئهم على القيام بتجاوزات، وراحوا يتحدثون عن كماليات، الكل يعلم بأنها هي التي أنامت الشعب طوال هذه السنوات.
وعندما تُرفع الأصوات الخافتة والجهورية، ويطول أمد جلسة برلمانية في الحديث عن واجب رفع المنحة السياحية للمسافر الجزائري إلى الخارج، وهي طبعا من ريع النفط، حتى يصرفها الجزائري على فنادق بلاد العالم وفي المساحات التجارية وحتى في الحانات وفي سهرات رأس السنة الميلادية، وعندما يطالب باستيراد السيارات القديمة وتخفيض قيمة رسم طابع جواز السفر، والقروض الاستهلاكية للموظفين، يُخيّل إلينا أننا في بلاط مملكة، يتم فيها التفكير فقط لرحلات سياحية لأمراء، لا همّ لهم في الحياة ولا مشكلة لهم، غير كيفية الإنفاق والتجوال في بلاد العالم.
نعلم جميعا طريقة بلوغ غالبية البرلمانيين هذه الكراسي التكليفية في كل بلاد العالم والتشريفية عندنا، ونعلم بأن الكثير منهم لا يعرف مشكلته الخاصة، فما بلك بمشاكل البلاد وطرق حلها، لكن أن نصل إلى هذه الدرجة التي تصبح فيها منحة السفر إلى الخارج، واستيراد السيارة هي الهمّ الأول والأخير، للذين يسمون أنفسهم ونسميهم أيضا بنواب المجلس الشعبي الوطني.. فتلك الطامة الكبرى.
لا يمكن أن ننتظر، جرسا أشدّ دقا من الأخبار التي تصلنا من أسواق النفط في الفترة الأخيرة، ومع ذلك يبقى البرلمان مثله مثل كافة المنابر التي يقال بأنها تشاورية وتنفيذية، صماء، لا تسمع هذا الذي يقرع أرقاما لا معنى لها سوى الانهيار.
لقد قيل دائما عن البرلمان بأنه لا يختلف عن الأسواق والحمامات الشعبية وعن صالونات الحلاقة النسائية، ولكن ما صار يحدث في السنوات الأخيرة، يؤكد بأن مثل هذه الأوصاف هي شتيمة للأسواق الشعبية التي يرتزق منها الناس، ومن الحمامات الشعبية التي تنظف فيها الأجساد، ومن صالونات الحلاقة التي تجهّز فيها العرائس، بينما تحت القبة الموقرة لا عمل ولا نظافة.. ولا هم يحزنون.