الرأي

أقوالنا لا تُصدّقها الفِعالُ!

محمد حمادي
  • 978
  • 2

جميل أن ينخرط الجزائريون في حملة ترفض ارتداء الألبسة الفاضحة الخادشة للحياء في الأماكن العامة، رائعة تلك المبادرات التي تحض على نبذ العنف في الملاعب والابتعاد عن الكلام الفاحش وسبّ وشتم أمهات اللاعبين، رائعون هم أولئك المناصرون لأنديتهم، الذين إذ حلّ وقت الصلاة أدّوها جماعة مع بعض، جنبا إلى جنب مُصطفين، رافعين أكفّ الضراعة إلى اللّه أن يسدّد خطى لاعبيهم نحو المرمى.
وطنيون هم أولئك الذين يفضحون المسؤولين الفاسدين ويبلغون عن تجاوزاتهم، راقون بتفكيرهم أولئك الفنانون الذين يكافحون لتنقية الكلمات وتهذيبها لتخترق أسماع العائلات دون خجل أو وجل، حضاريون أولئك الذين ينظّمون حملات تطوعية من أجل رفع القمامة من الأحياء والشوارع والحدائق وكل الفضاءات العمومية.
لكن لماذا في كل مرّة تتميّع هذه الشعارات الرنّانة التي تكتسي في البداية طابعا حضاريا ثم تسقط في فخ الشعبوية والكرنفالية؟ لماذا لا تترجم في سلوكيات راقية وحضارية على أرض الواقع، لتتحول إلى منهاج يومي في الحياة تسلكه ساكنة هذا الوطن؟
قرار رئيس بلدية العوانة في جيجل، مؤخرا، القاضي بمنع التجوال بالتبان وسائر ملابس السباحة غير المحتمشة في المدينة، بقدر ما أثبتنا من خلاله أنّنا ندين كل مظاهر الإخلال بالآداب العامة، وننشد نغمة الاحتشام لحنا، فإنّه في المقابل فضح التديّن المزيّف لكثير من ساكنة الوطن، الذين يتحولون إلى شياطين في خلواتهم.
لقد ميّع التديّن المزيّف كثيرا من المبادرات التي تحفظ للوطن استقراره ورقيّه، ولنا في التماثيل العارية مثال حيّ، فالأخيرة زلزلت “فايسبوك” وجعلت الجميع ينفجر غضبا مطالبا بإزالتها لكونها تخدش الحياء العام، لكن، كثير هُم الذين تغاضوا عن الأجساد العارية التي تمشي في الشوارع وتناسوا بؤر الرذيلة التي تتناسل هنا وهناك ولم تستثنِ حتى أماكن التعبّد.
أثبتت التجارب أنّ مثل هذه المبادرات المشحونة بقيم التضامن والتعاضد والأخوة، ظرفية ومناسباتية تبدأ بانفعالات عاطفية وقودها مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تنتهي في لمح البصر، لأنّنا لم نؤسّس لمثل هذه السلوكيات الحضارية، لم نجعلها جزءًا من حياتنا اليومية، لذلك سرعان ما يخبو أوار مثل هذه المشاعر في الأفئدة ويخفت لهيبها لنعود إلى سابق عهدنا، منشدين ترانيم الفوضى، التي باتت شيمة تجمعنا.
إنّنا نعاني من داء خطير اسمه انفصام الشخصية لأنّنا لم نشتغل على مشروع مجتمع؛ فالمناصرون الذين رفعوا شعار “خاوة خاوة” في المدرجات، هم أنفسهم الذين عاثوا في بعضهم البعض سبّا وشتما واعتداء بعد نهاية المباراة، والأصوات التي تباكت على فن الزمن الجميل وملأت السّاحة ضجيجا لمحاربة الغناء الهابط، هي نفسها التي ترقص في الأفراح على أهازيج كلمات تخدش الأحياء، وتدفع المال لحضور حفلات ينشطها أشباه المغنين.
مكافحة الانحلال الخلقي وكل مظاهر القفز على القيم الدينية والإنسانية في هذا المجتمع تبدأ بإصلاح ذواتنا وتنقية النفوس من النفاق، ينبغي أن نلوم أنفسنا أوّلا، ونعترف بكلّ شجاعة ومسؤولية بأنّنا زرعنا خرابا فكريا في مؤسساتنا الاجتماعية من أسرة ومدرسة ومسجد، لم نوظّفها لنبني شعبا طيّب الأعراق، فتحولنا إلى مجرّد ظواهر صوتية، تعاني من عقد نفسية، ولم تعد أقوالنا تُصدّقها الفِعالُ، عكس ما قاله الأمير عبد القادر، في قصيدته “لنا في كلّ مكرمة مجال”.

مقالات ذات صلة