أمراض فتاكة تزحف على التلاميذ!

كشفت الفحوصات الطّبية على مستوى المؤسسات التعليمية عن واقع صادم لأطفالنا نتيجة الأمراض الخطيرة والمدمرة التي تفتك بهم في سن صغيرة جدا تهدّد صحتهم الجسدية والنفسية، أهمها السّكري وضعف البصر وصعوبة النطق واعوجاج الظهر وكذا الحساسية والربو والتبول اللاارادي وغيرها من الأمراض الأخرى..

أرقام مفزعة ومرعبة قدّمتها مديرية الصحة لولاية الجزائر لا تبعث على الاطمئنان وتنذر بجيل مريض، كان يعوّل عليه في رفع المشعل وخوض التحديات، وهو ما يطرح العديد من الاستفهامات بخصوص دور الصحة الوقائية في تجنيب هذه الإصابات.

أرقام مرعبة لأمراض تزحف على التلاميذ

واستنادا إلى تصريح رئيس مصلحة الوقاية الدكتور بوجمعة آيت تواراس فإن الحالات اكتشفت عقب فحوصات فرق الصحة المدرسية، خلال الفصل الأول من الموسم الدراسي، أكّدت انتشارا رهيبا لأمراض أخرى في مختلف الأطوار، حيث يعاني 27.265 تلميذ من ضعف في البصر و 8.562 تلميذ من الحساسية والربو و 6833 حالة تشوهات واعوجاج على مستوى الجهاز العضلي والعمود الفقري بسبب سوء طريقة الجلوس (الجلوس غير الصحي) مؤكدا أن “الطاولات لا تلائم البنية الجسدية للتلميذ وهي غير مناسبة لنموه”.

وتضاف هذه الأرقام إلى معاناة 5812 تلميذ من صعوبات تربوية وتعليمية وكذا 1230 تلميذ يعانون من اضطرابات سلوكية إلى جانب 3200 تلميذ يعانون من صعوبات في النطق و1230 تلميذ من التبول اللاإرادي.

ويزحف السّكري من النوع الأوّل على مئآت الأطفال سنويا في الجزائر، حيث سجلت ولاية الجزائر لوحدها قرابة 900 إصابة جديدة بداء السكري لدى التلاميذ، خلال الفصل الأول من السنة الدراسية 2019-2020 ، حسب ما أكّدته أرقام صادرة عن مديرية الصحة والسكان لذات الولاية، وشملت الفحوصات حسب المتحدث  376.50 تلميذ أي ما يقارب 50 بالمئة من العدد الإجمالي لتلاميذ المدارس التابعة للقطاع العمومي والمقدر في الأطوار الثلاثة بحوالي 752.529 تلميذ.

انتشار السكّري يستوجب مراجعة النظام الغذائي والبيئي

ويؤكد الأطباء المختصون في داء السكري أنّ المرض يعرف انتشارا مفزعا وسط الأطفال ويتعلق بالنوع الأول في غالبه، حيث لا تظهر أعراضه إلاّ في المرحلة النهائية بعد أن يدمر 80 بالمائة تقريبا من الخلايا البنكرياسية، وذلك لا يكون الا بعد انتشار المرض في الجسم مدة 5 سنوات على الأقل.

وأوضح في هذا السياق الدكتور حبيطوش أن 10 إلى 20 بالمائة من الإصابات بالسكري في بلادنا والمقدرة نسبيا بحوالي 4 ملايين تمس الأطفال تتعلق بالنوع الأول الذي تفقد فيه الأنسولين تماما من الجسم.

ومن بين أهم الأعراض التي يجب أن ينتبه إليها الأولياء يقول المختص التبول المستمر وفقدان الوزن وشرب كميات كبيرة من الماء وإذا لم يتم التفطن لها ستؤدي بالطفل إلى الغيبوبة واحتمال فقدان الحياة.

ومن أهم عوامل الإصابة بالسكري لدى الأطفال يؤكد حبيطوش على العامل الوراثي أو السوابق العائلية التي تزيد من احتمال الإصابة إلى 35 بالمائة في حال إصابة الأم بالسكري وتضاعفها إلى 70 بالمائة في حال إصابة الوالدين معا، بالإضافة إلى العوامل غير المعروفة والمتعلقة بسبب فيروسي وبكتيري محل بحث من قبل كبار العلماء وهو ما أدى إلى نقص مناعة المصابين.

وتحدث حبيطوش أيضا عن النظام الغذائي غير المتوازن والنظام البيئي غير المساعد داعيا إلى تحسين نوعية الأكل وتجنب اللمجة المضرة والغنية بالسكريات والدهون مع الحرص على ممارسة الرياضة يوميا والمشي على الأقدام.

80 بالمائة من التلاميذ يعانون تسوس الأسنان

ويعد مشكل تسوس الأسنان، حسب ما أكده أطباء أسنان على مستوى وحدات الكشف والمتابعة للصحة المدرسية بالعاصمة من أكثر الأمراض التي يعانيها تلاميذ المدارس تليها مشاكل اللثة وغيرها من الأمور.

ويرجع المختصون أهم الأسباب إلى نوعية تغذية التلاميذ، حيث تعدّ اللّمجة المتهم الأول في أمراض التسوس لاحتوائها نسبة سكريات وموالح عالية تؤثر على طبقة المينيا في الأسنان وكذا غياب ثقافة فرش الأسنان لدى أغلبية الأطفال، ناهيك عن الكميات الهائلة من الحلويات التي يتناولها الأطفال يوميا.

مشاكل اجتماعية وراء الاضطرابات النفسية

ويؤكد المختصون النفسانيون على مستوى الفرق الصحية المدرسية أنّ أغلب التلاميذ المعنيين الذين سجلوا اضطرابات سلوكية ونفسية يعانون من مشاكل اجتماعية قاهرة وعدم استقرار أسري، إما بسبب الانفصال أو الطلاق بين الآباء أو العنف الأسري أو الفقر، فيما يغيب التواصل والحوار داخل الأسرة المستقرة التي تكتفي عادة بتوفير الماديات فقط وتهمل الجانب النفسي لطفلها وتغيّب مفاهيم الحب والحنان وتقدير الذات.

ودعا هؤلاء إلى تكفل امثل بالوضعيات الاجتماعية للعائلات وأهمية الصحة النفسية في الوسط المدرسي على اعتبار أنها تتسبب في مشاكل للتلميذ وقد تكون مآلها التسرب المدرسي في غياب آذن صاغية، وهو ما يتطلب تنسيقا وتعاونا بين قطاعات أساسية هي وزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية ووزارة الصحة والسكان للتكفل بالصحة العقلية في الوسط المدرسي.

زيارات تفتيش لـ 1490 مؤسسة تربوية بالعاصمة

و في هذا الإطار، أشار الدكتور آيت تواراس إلى قيام مديرية الصحة رفقة أعضاء مكاتب النظافة البلدية خلال الفصل الأول من الموسم الدراسي الحالي بزيارات تفتيش لـــ 1490 مؤسسة تربوية و296 مطعم مدرسي بولاية الجزائر لمراقبة مدى احترام معايير النظافة، موضحا أنه تم تسجيل نقائص وسلبيات خاصة على مستوى المدارس الابتدائية التي تسيرها البلديات، سيما ما يخص نظافة دورات المياه ونقص المياه وانعدام شروط البصرية الملائمة لافتا إلى أنه لم يتم معالجة سوى نسبة قليلة منها في حين تم توجيه تعليمات إلى مسؤولي المؤسسات التربوية لتنظيف و تعقيم هذه الفضاءات لحماية التلاميذ من أي أمراض متنقلة أو معدية.

وأبرز المصدر أن وحدات الكشف والمتابعة بولاية الجزائر وعددها 96 وحدة تساهم في تعزيز إجراءات الوقاية الصحية والكشف المبكر عن الأمراض على مستوى مدارس الولاية بالتنسيق مع مديرية التربية حيث يتم تخصيص دفتر صحي لكل حالة تم تشخيصها بمرض مزمن لمتابعة الوضعية الصحية للتلميذ عبر مختلف الأطوار التعليمية تفاديا لتعقيدات صحية لاحقا .

الصحة المدرسية لم تأخذ مكانتها بعد 58 عاما من الاستقلال

اكد البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام” أنّ الصحة المدرسية لم تأخذ مكانتها في النظام الصحي الجزائري بعد 58 عاما من الاستقلال حيث تعاني نقصا في التغطية وفي التكوين.

وأضاف خياطي أنّ الوقاية رغم أنّها تع العمود الفقري للصحة المدرسية والنظام الصحي لا تتعدى نسبة ميزانيتها 3 بالمائة وهو ما يعكس حالة الطب الوقائي الهزيل في بلادنا.

وتطرق خياطي الى نقص التغطية الصحية في كثير من المدارس خاصة أطباء النفس وهذا بالمدن الكبرى فما بالك في الولايات الداخلية التي تنعدم ببعضها الفرق الصحية المدرسية.

ودعا خياطي إلى تكوين مستمر لأطباء الصحة المدرسية وكذا المعلمين في المدارس مع تكثيف حملات الكشف عن الأمراض باختلاف أنواعها من خلال مخطط عمل واستراتيجيات دقيقة.

وألحّ البروفيسور خياطي على أهمية المتابعة والمراقبة للحصيلة النهائية التي تقوم بها فرق الصحة المدرسية في توجيه التلاميذ نحو مختصين ضمن مواعيد وبرامج لا تؤثر على برنامج الدراسي للتلاميذ، حيث انتقد انعدام الوسائل في مراكز الصحية الجوارية ما يحيل الاولياء عادة الى الخواص بما ينهك ميزانيتهم المحدودة ومنهم من يتخلى عن المتابعة الطبية واقترح في السياق تعاقدات مع بعض أطباء الأسنان الخواص بسبب تردي الخدمات في القطاع العمومي وانعدامها احيانا كثيرة.