جواهر
كنّ خلف تفوق أبنائهن في الدراسة

أمهات ناجحات بتقدير مشرّف.. ومنهن أمّيات!

أماني أريس
  • 5638
  • 14
ح.م

“وراء كل عظيم امرأة ” هي ليست مقولة اعتباطية على سبيل المجاملة أو المبالغة، إنّما هي عنوان لنكران الذات، والتضحيات التي تقدمها المرأة في عائلتها، خاصة في دورها الأمومي من أجل نجاح أبنائها، ورغم أنها كانت دائما خلف الستار، إلا أنها استطاعت أن تخترق جدار التجاهل، وتنقش اِسمها على صفحات التاريخ، فمن منا لا يعرف قصة المخترع “توماس إديسون” الذي اتهم بالغباء والعبث، وطرد من المدرسة في وقت مبكر، لكن والدته التي كانت مؤمنة جدا بقدراته، أعانته على مواصلة التعليم في البيت، وشجعته على الاختراع حتى نبغ وذاع صيته، ولم ينس إديسون فضلها عليه بل كان دائما يصرح : “والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدف، وشخص لا يمكنني خذلانه “

نشوة فرح لا يعبر عن حجمها سوى نوبة من الزغاريد المتعالية المتوالية، ودموع متدفقة بنقاء الفخر المشروع، بمجرد سماع خبر نجاح فلذات أكبادهن، وبتقديرات مشرفة.. هكذا كانت حال بعض الأمهات اللواتي تواصلت معهن جواهر الشروق وعاشت معهن تفاصيل اللحظات، بعد سرد قصصهن الملهمة عن تضحياتهن مع أبنائهن.

أعدت زارعة الثقة في نفس ابنتي

رغم كثرة أعمالها داخل المنزل وخارجه استطاعت أم وصال أن تكون السند القوي لابنتها التي حازت على شهادة التعليم المتوسط بتقدير امتياز، وتعزز ثقتها في نفسها، وتحببها في المواد التي كانت تستثقل دراستها، وعن ذلك تقول:

“في بداية كل سنة دراسية أسطّر لابنتي توقيتا مناسبا لحياتها اليومية، توفق فيه بين دراستها وبين بقية أنشطتها، كما أنني أخصص لها ساعة يوميا أعمل معها حوارا عن الدروس التي تناولتها في ذلك اليوم،  وأحرص على معرفة كل التفاصيل، والمشاكل التي يمكن أن تصادفها سواء مع الأساتذة أو مع زملائها. ولأنني أعاملها كصديقة لي فهي تصارحني بكل شيء، وتكشف لي حتى عن أخطائها، ولا أحتاج أبدا إلى التجسس عليها، أو إلى أسلوب الزجر أو الضغط لكي أعرف ما يعرقل طريق ابنتي نحو نجاحها.”

وتواصل أم وصال حديثها بكشف سرّ تفوق ابنتها في الدراسة تقول : ” الثقة في النفس تشكل بالمناصفة مع الاجتهاد العامل الأساسي لتحقيق التفوق الدراسي، فقبل سنوات كانت ابنتي إحدى ضحايا معلمة تعتمد على أسلوب محبط مرهّب للتلاميذ، حيث أصبح الرعب يتملكها كلما حل اقترب موعد الامتحانات، خاصة مع مادة الرياضيات، وفقدت الثقة في قدرتها على تحصيل علامات جيدة فيها. رغم أنها تراجع دروسها وتفهمها جيدا، فالارتباك الذي يرافقها لحظات الامتحان يجعلها تفقد التركيز وبالتالي تخفق في الإجابة. فكان دوري أن رفعت عنها كل الضغوطات، إذ كنت أوصيها قبيل الامتحان بأن تجيب بأريحية لأنني واثقة من قدرتها وذكائها، وأنني سأكون راضية عنها حتى لو لم تحصل على علامة جيدة. طريقتي هذه كانت السبب في تخلصها من الخوف، واستعادتها لثقتها بنفسها.”

أميتي لا تعني جهلي  

السيدة نعيمة لم تحالفها الظروف لإكمال دراستها، وأحالتها على الحياة التقليدية البسيطة في قريتها، وتحمل مسؤولية المنزل في سنّ مبكرة قبل أن تنتقل إلى بيت زوجها. مع ذلك استطاعت أن تكون الأم الواعية المثالية، وتزرع حب العلم والتعلّم في أبنائها، تقول نعيمة: ” أعتبر نفسي أمية لكنني لست جاهلة، لأنني أعرف قيمة العلم عند الله تعالى، وأراه وسيلة لتقوية الإيمان به وطاعته، وليس وسيلة للتفاخر أو لتحصيل المال، لذلك كنت أزرع حبه في نفوس أبنائي، وأحدثهم عن فضله، كما أنني أشتري لهم الكتب والقصص منذ طفولتهم، وأشجعهم على قراءتها، والأهم أنني حريصة جدا على معرفة أصدقائهم، حيث لا أسمح لهم بمصادقة أي كان، بل أشجعهم على مصادقة التلاميذ المجتهدين والمؤدبين، كما أنني دائمة التردد على مدارسهم لتفقد أحوالهم ومستوياتهم.”

 وتضيف : ” ابنتي أميمة حصلت على شهادة التعليم المتوسط بتقدير ممتاز، وابني كان من ضمن الأوائل في الجامعة، وابنتي الصغرى أيضا حصلت على معدل ممتاز، وكل ذلك كان بفضل جهودي المتواصلة، فقد اشتغلت في الخياطة، وصناعة الحلويات الحلويات من أجل مساعدة زوجي في توفير كل ما يحتاجه أبناؤنا، ودفعت تكاليف دروسهم الخصوصية، بالإضافة إلى دعمي المعنوي المتواصل. “

الرسوب لا يعني الفشل فلا تفقدوا الأمل

كان مسك الختام مع السيدة زهية التي استقبلتنا بالزغاريد وطبق الحلويات والمكسرات، قبل أن تلهمنا بقصة عن أسمى معاني التضحية في سبيل نجاح اِبنها حيث تقول:

“ابتليت بزوج صعب المراس، شديد البخل، رغم أنه ميسور ماديا، ويعامل أبناءه معاملة قاسية. وعندما أخفق ابني في تحصيل شهادة الباكالوريا للمرة الأولى، أقسم أنّه لن يدفع له تكاليف إعادة السنة، بحجة أنه خسر عليه الكثير، فاضطررت إلى بيع قطعة من حليي، ودفعت تكاليف دراسة اِبني، لكن شاءت الأقدار أن أخفق اِبني للمرة الثانية، فاستشاط زوجي غضبا، وهددني بالطرد من المنزل إن دفعت تكاليف دراسته ثانية،  وقال لي فليذهب ليشتغل في البيع على الأرصفة، لكنني بقيت أداريه فترة حتى هدأ وعاد إليه رشده، وحدثته عن الموضوع ثانية لكنه رفض دفع تكاليف دراسته، فلجأت إلى الاستدانة من إحدى القريبات، ودفعت تكاليف دراسة ابني، وأبت مشيئة الله إلا أن تضاعف خوفي وقلقي، حيث أصيب اِبني بوعكة صحية في فترة اِجتياز امتحان الباكالوريا للدورة الأولى، وأخبرني انه لن ينجح، فرفعت كفي إلى السماء ودعوت الله الذي لا يضيع أجر المحسن، ولا يرد دعاء المستجير.

 فنزلت رحمة الله الواسعة وكفكفت دمعي، وهدّأت من روعي، بعد أن قرروا إعادة الباكالوريا، وكان اِبني قد اِستعاد عافيته، واِجتاز الامتحان بثقة أكبر، ليكرمه الله ويكرمني بنجاح مشرف لم يكن حتى في الأحلام، لقد كان عزائي في كل ما طالني من سوء معاملة، وضغوطات وتهديدات من طرف زوجي.”

وتنهي السيدة زهية حديثها معنا بقولها: “أنصح كل أبنائي التلاميذ وأوليائهم أن لا يفقدوا الأمل ولا يحطموا أبناءهم بتهويل أمر الرسوب لأنه لا يعني الفشل بل هو دفعة قوية لتحقيق نجاح أكبر.”

مقالات ذات صلة