جواهر

أمي جعلتنا حديث المجتمع!

تسنيم الريدي
  • 9245
  • 16
ح.م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

سيدتي لقد لجأت إليكم بعدما ضاقت بي السبل، وقد قرأت استشارة قريباً للزوجة التي خانت زوجها لأنه يخونها، ولامست جراحي.

مشكلتي تكمن مع والدتي، فهي متسلطة ذات شخصية قوية، ولديها قوة إقناع بأنها دائماً على صواب، حتى لو لجأت للكذب، لكنها فعلاً حنونة ودائمة العطاء.

أمي البالغة من العمر 50 عاماً لديها مكانة اجتماعيه كبيرة، تحظى باحترام الرجال قبل النساء، والدي يملك مزرعة وقطيع من الإبل والغنم وهو متدين ورجل بدوي، ومتزوج من 4 نساء، اثنتين من نسائه وأولادهن يعيشون في مكان بعيد يذهب إليهن في الإجازات فقط.

أمي والزوجة الأخرى يعشن مع والدي في نفس المنطقة (هذه المنطقة هي مكان نشأة والدتي ) من الفجر يذهب لمزرعته ويعود مع أذان الظهر للغداء، ومع صلاة العصر يذهب لمزرعته ويعود للبيت مع مغيب الشمس، ومنذ صغري ووالدتي دائماً تسافر للعاصمة للعلاج، ومع مرور الوقت أصبحت والدتي تسافر لوحدها بحكم انشغال والدي، ولم تكن تذهب وتعود في نفس اليوم بل تقيم ما يقرب الأسبوع!

والدي كان كثيراً ما يعتمد على والدتي أثناء غيابه في تسيير أمور المزرعة والقطيع، فكانت كثيرة الاحتكاك بالرجال، ومع تقدم التكنولوجيا وظهور الجوال أصبحت تظهر أمامنا أمور في البداية لم نفهمها أو لم نكون نريد أن نفهمها.

أصبح الجوال لا يسقط من أذن والدتي دائماً، وهي تتحدث مع الرجال مع وجود ضحكات ومزاح بدون أن تهتم لوجودنا ظناً منها أننا أغبياء، كنت أراها تذهب مع رجل وتغيب لمدة ساعتين وتعود بعدها، لم أكن أنا الوحيدة التي تلاحظ تلك الأمور بل جميع إخوتي.

سمعت لها مكالمات غزل ورسائل غزل مع أكثر من رجل، لكن كان هناك رقم مميز دائماً ما كنت أراه في جهاز والدتي، طبعا لم نجرأ على مفاتحتها في الموضوع، فقد كانت ذات شخصية قويه ومتسلطة بعض الشيء، وأنا تزوجت وانتقلت للعاصمة.

ومع مرض جدتي ورغبة من أخي وأختي في إكمال دراستهم قررت والدتي أن تنتقل للعاصمة، طبعاً لم يكن هناك من يستطيع أن يعارضها، فهي تتمتع بشخصية قوية، وقدرة على الإقناع، وفعلاً ذهبت والدتي للعاصمة، وأخذت مرض جدتي حجة لطلب المعونات من الجمعيات الخيرية ومن التجار، مع العلم إننا نحظى بمستوى مادي أكثر من المتوسط، وبالطبع هذه المعونات لا تخلو من مكالمة فلان وعلان لمساعدتها في تسهيل أوراقها.

توفي والدي في حادث سيارة، وكانت هذه صدمة بالنسبة لنا، وزاد هذا الأمر من تعلقنا بوالدتي، فقد كنا تحت جناحها وكانت قلوبنا أنا وأخوتي على بعض، ما عدا آخي الكبير كان دائم الخلاف معها، فلم تكن ترضى بأن يتصرف بدون الرجوع إليها.

أثناء فترة حداد والدتي كنت أرى رقم عشيقها في جوالها، ورسائله لها بعد وفاة جدتي ، وسافر أحد أخوتي للدراسة وتزوجت أختي ولم يتبقى إلا أختي البالغة من العمر 16 عام، وأخي الصغير 9 سنوات، فقررت والدتي تركهم لأخي الأوسط المتزوج في بيت العائلة، وأن تتزوج هي من عشيقها بدون علم أحد إلا هو بحكم إنها تريد الاستمتاع، وإنها لا تستطيع الاستغناء عن الفراش! صدم أخي من كلامها وقام بتزويجها، وأصبحنا حديث المجتمع !

منذ زواجها إلى اليوم أصبحت أنا وهي في خصام كل أسبوع، أصبحت علاقتي بأخوتي الشباب قويه بعد هذا الزواج لأنهم تفرقوا وكان كل همي أن اجمعهم، فأصبحوا دائما على اتصال بي لكي يفضفضوا معي الحمد لله، ونجحت في جمعهم إلا أخي الأوسط يكرهونه لأنه زوجها بدون علمهم، بل وصل الأمر بينهم لحمل السلاح ومحاولة قتله، ورغم كل هذا لم تفكر فيهم والدتي، وطبعا زوجها لم يخبر زوجته بزواجه من أمي.

أمي الآن تريدني أن أتواصل مع زوجها، وتريدني أن أقاطع أخوتي من أبي، تريدني في صفها ظالمة أو مظلومة، وهي لا تصلي وتؤمن بالسحر وتستخدمه وأصبحت تخلع حجابها عن خروجها من المنزل، ولديها شريحة جوال زوجها لا يعلم عنها إذا أتت لدينا تستعملها..

ماذا افعل مع والدتي؟؟  فأنا لا أريد أن أكون من العاقين، لكن هي تجبرني على قطيعة الرحم فكيف أتعامل معها؟

رهام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد:

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكِ على صفحات جواهر الشروق، والله أسأل أن ييسر لكِ أموركِ كلها، وأن يجعلكِ سبباً لهداية والدتكِ، وأن يعينكِ على برها دون معصية الخالق، وأن يقويكِ على صلة الأرحام.

في الحقيقة أنا أقدر حجم مشاعركِ تجاه والدتكِ والتي هي ما بين الحب والتقدير لأمكِ التي أنجبتك وربتكِ وقامت برعايتكِ حتى قدمتكِ لزوجكِ فتاة صالحة تقية، وبين غضبكِ تجاه تصرفاتها وسلوكياتها التي تتنافى مع القيم والأعراف والعادات والتقاليد، قبل أن تكون حرام شرعاً من علاقات محرمة مع الرجال وخيانة الزوج، وبين معصية الخالق بترك الصلاة والحجاب.

لكنني في الحقيقة تعجبت كثيراً!! فأين كان والدكِ – رحمه الله – من هذا كله، ألم يلاحظ أن زوجته تخونه؟؟ وكيف كان يتركها تباشر عمل المزرعة مع الرجال وحدها، وألم يبحث في جوالها يوماً ليكتشف أمر المكالمات والرسائل؟؟ وألم يكن على علم بموضوع المعونات التي كانت تطلبها وتواصلها مع الرجال لأجل ذلك؟ عندما كانت تسافر للعاصمة أسبوعاً ألم يكن على علم بمكانها؟؟ هل شخصية والدتكِ المسيطرة كانت على زوجها – والدكِ – أيضاً لهذه الدرجة؟؟

وعند محاولة تفسير سلوكيات والدتكِ أفكر هل كانت هي الزوجة الأولى؟؟ وتزوج والدكِ – رحمه الله – عليها فحاولت الانتقام ورد اعتبارها بهذا التفكير الأعوج بالخيانة؟؟ خاصة وأنها كانت تخونه حتى في فترة الحداد، وأنكِ تتحدثين عن خلافاتها التي تصطنعها بنفسها مع أبنائه من زوجاته الأخريات؟ وكيف هي علاقتها بزوجاته؟ طبعاً أخيتي لن يكون منطقياً أن تقولي أن والدكِ لم تتح له الفرصة لاكتشاف خيانتها، فمهما كانت انشغالاته فالرجل بحسه الذكوري يشعر بتغيرات زوجته وتحركاتها المريبة.

ومن المؤسف أخيتي أن يلاحظ الأبناء – خاصة فترتي الطفولة والمراهقة – سلوكيات آبائهم الخاطئة، حيث تساهم هذه السلوكيات المنحرفة في تشويه الصغار، حيث يتبنى البعض هذه السلوكيات عند الكبر، ويكبر البعض الآخر وهو يحمل في قلبه آلاماً لما رآه من سلوكيات من يجب أن يكونوا قدوة له، فينعكس على نفسيته بالاكتئاب وفقدان الثقة في كل من حوله، والعزوف عن الزواج ظناً أن كل شركاء الحياة يخونون، فاحمدي الله عز وجل أن أخوتكِ وأخواتكِ لم يسقط أحدهم في هاوية الانحراف، فكوني لهم عوناً دائماً.

ومن الرائع أخيتي أنكِ أخذتي مكان والدتكِ في لم شمل أسرتكم الصغيرة بعد وفاة والدكِ، فاحتسبي ذلك عند الله تعالى وجددي نيتكِ دائماً، ولا تتكاسلي عن أمور أخوتكِ الصغار خاصة، وتفقدي أحوالهم بين الحين والآخر وابحثي عن مشكلاتهم وكوني بجانبهم، فالمال ليس كل ما يحتاجه الأبناء، إنما يحتاجون كذلك الرعاية المعنوية والاهتمام، وجزاه أخيكِ خيراً أنه يرعى أخوتكِ الصغار، لكن قلب الأنثى – الأم أصلاً لكن أنتي مكانها الآن – يفيض حباً وحناناً ورعاية بما يحتاجه الأبناء، لذلك كوني معهم ولا تتركي العبء كله على أخيكِ وزوجته.

وعموماً أختي لا أنصحك بالضغط على والدتكِ للطلاق من أجل أخوتكِ، فالزواج حقها الشرعي الذي لا تلام عليه، وعساه أفضل من العلاقة المحرمة التي كانت تربطها بهذا الرجل في حياة أبيكِ، فلا تكوني أنتي أو أحد أخوتكِ سبباً في رفض الحلال، وإجبارها على الحرام، فالزواج – مهما كانت وجهات نطركم برفضه – سيكون إعفاف لها، حتى إذا كان زواجها فقط للاستمتاع، فهذه فطرة خلقها الله عليها لا يحق لكم التدخل فيها. وفكري دائماً مع أخوتكِ أن زواجها أفضل من أن تزنى لا قدر الله.

 لكن الأهم الآن هل ما زالت على علاقات أخرى برجال غير زوجها، ولماذا شريحة الجوال التي لا يعلم هو عنها شيئاً؟؟ تحدثي معها برفق وبمنطق، لا تكوني قاسية عليها فتعاندكِ، ولا تخاصمينها أبداً ، وحاولي معها بأسلوب الحب والعتاب الرقيق، ووضحي لها أنكِ تخافين عليها خوف الابنة البارة على أمها الرائعة، وأنكِ ستقبلين بالحلال – وهو زواجها – لكن تخافين عليها معصية الخالق في الحرام، ولا تملي من نصحها أبداً وخذي من سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام عبرة والذي ظل يدعو قومه – فما بالكِ بأمكِ – عشرات السنين دون كلل حيث قال تعالى في سورة العنكبوت: ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا

وركزي في دعوتها ونصحها على الصلاة، ولا مانع أن تتواصلي مع زوجها – إن كان يخاف عليها – وتطلبي منه أن يعينها على أمر الصلاة، تارة بالترغيب وتارة بالترهيب، وحاولي أن تتابعينها في ذلك واحتسبي أنت وزوجكِ وأخوتكِ وقتكم هذا عند الله تعالى، فكم أعطت لكم وقتها في رعايتكم أثناء الصغر.

وحاولي أيضاً أن تتحدثي معها عن سبب تبرجها وتعطرها عند الخروج بالمنطق والعقل، أخبريها دائماً أنها جوهرة متميزة يجب ألا تعرضها على الجميع، وأيضاً التزمي أسلوب الترغيب تارة والترهيب تارة، ولا تجعليها ترى نظرات السخرية في أعينكم أن هي تزينت لزوجها في البيت، بل شجعيها على ذلك. وحاولي أن تسلطي عليها من لهم مكانة في قلبها لنصحها، ولا مانع أن تجتمعي مع أخوتكِ في وجودها مرة كل أسبوع لرعايتها والسؤال عنها ومجالستها والسهر معها، وأن تتحدثوا معها – بشكل غير مباشر أو جارح – في كل سلوكياتها الخاطئة ومعصيتها لله عز وجل، ووضحوا لها أن هي من ربتكم لتكونوا على أفضل حال من الصلاح والتقوى، وأنكم لا تريدون لها إلا الخير.

انصحوها بشأن السحر ولا تجعلوا لها سبيلاً لذلك، وأنا أعتقد أنها تعاني من بعض الفراغ، فساعديها على تكوين صداقات صالحة، ولا مانع أن تجعليها تشارك في أعمال الخير والتطوع والبر، ولا تتعاملي معها أنتي وأخوتكِ أبداً بروح اليأس منها، فهذا يصيبها بالإحباط، بل وضحوا لها دائماً أنها قدوة لأحفادها وحفيداتها، قبل أن تكون قدوتكم.

وكما قلت لكِ تواصلي مع زوجها في حدود المتاح – بعد موافقة زوجكِ – وفي حدود الضرورة، حتى ترضى، وحدثينها عن قيم صلة الرحم، وتواصلي مع أخوتكِ من أبيكِ وشجعي أخوتكِ على ذلك أيضاً، واصبري عليها يا أخيتي عسى الله أن يكتب لها الهداية، وبالتأكيد قبل هذا كله لا تنسيها من الدعاء، وتضرعي إلى الله أن ينقذ أمكِ من المعصية قبل فوات الأوان.

للتواصل معنا:

fadhfadhajawahir@gmail.com

مقالات ذات صلة