الرأي

“أم القرى” التي رفضناها

عقدة الجزائريين مع المكان، تتجلّى من يوم لآخر، وتتعقد في كل مناسبة، تظهر فيها بوادر رسم خارطة إدارية جديدة، لوضع غير متغيّر، أو كلما اشتدت عواصف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فعندما يطالب أهل عين الصفراء مثلا، بأن تتحوّل دائرتهم إلى ولاية، حتى لا يبقوا تحت السلطة “الوهمية” لولاية النعامة، ويطلب سكان بلدية القل مثلا، الخروج من السلطة الوهمية لولاية سكيكدة والانضمام للسلطة الوهمية لولاية قسنطينة، نتساءل عن سبب ابتعاد المواطنين عن اللبّ، واهتمامهم بالقشور، التي جعلت الجزائر تزدحم بستين جامعة، وهي لا تمتلك جامعة واحدة ضمن أحسن 1500 جامعة في العالم، وتزدحم بـ48 ولاية، وهي لا تمتلك ولاية أو مدينة يمكن أن تنافس مدينة عمان الأردنية أو برازافيل الكونغولية.

وما حدث مرّة لأحد مراسلي الشروق اليومي، عندما كتب عن طريق الخطأ أو ربما كان قاصدا ذلك، في سياق خبر عادي، عن منطقة في الجزائر العميقة فأسماها بالقرية، فتعرّض لهجوم عنيف من بعض سكان هاته المنطقة التي هي في الأصل قرية فعلا، اعتبروا تسمية منطقتهم بالقرية، وليس المدينة، جريمة لا تغتفر في حقهم، يؤكد بأننا نعيش أزمة مكان حقيقية، وبأننا نبحث عن العلاج في مواضع بعيدة عن الألم، لأن الذين وعدوا بترقية بعض المناطق إلى ولايات، يعلمون بأن الولاية التي تكتنز مختلف الوزارات ومقر الرئاسة والتي نسميها عاصمة البلاد، مازالت بعيدة عن أن تكون ولاية نموذجية بالمقاييس العالمية بدليل أن الجزائر العاصمة صُنفت كأسوإ عاصمة في العالم، يمكن أن يعيش فيها إنسان، وكلنا نعلم بأن الولايات التي تم ترسيمها منذ عهد بعيد مثل الطارف والنعامة وعين الدفلة وميلة، مازالت للأسف تحبوا في عالم التنمية، وهي لا تمتلك من الولاية سوى الإسم. 

وكلما نزل مستوى المواطنين إلى التفكير في التسميات من دون المحتوى الحقيقي للتنمية، كلما وجد النظام القائم نفسه يتسلّى بمثل هذه الطلبات، فلا يوجد أسهل من أن يسمّي هذه البلدية أو هاته الدائرة باسم ولاية، ويكفي نفسهشرّ القتالفي الأمور الحيوية الصعبة ومنها التنمية الحقيقية، التي عجز عن توفيرها، حتى عندما تجاوز سعر النفط المائة دولار للبرميل الواحد.

طلبة الجامعة يصرّون على أن تدوّن على شهاداتهم جملة مهندس دولة، أو دكتور، وأساتذة التربية يصرّون على أن تدوّن في سجلاتهم المهنية أرقام الدرجات، وفرق الكرة تهتم بكلمة المحترف، بدلا عن الهاوي، والمواطنون يريدون أن تسمّى المناطق التي يسكنوها مدنا وولايات، حتى ولو بقيت كما هي أشبه بدواوير العصر الحجري.

 

لقد سمى الله مهبط الوحي مكة المكرمة بأم القرى، وخلّد إسمها حتى تبقى أم القرى إلى يوم الدين، بالرغم من أن أبراجها حاليا تناطح السحاب، وستتحوّل بعد الانتهاء من عملية التوسعة بعد أشهر، إلى أفضل مكان عصري في العالم، يتيح للناس الراحة الدنيوية والدينية، ولكن باسم أم القرى، بينما نفضل نحن تغيير الأسماء والألقاب، من قرية إلى مدينة ومن بلدية إلى دائرة ومن دائرة إلى ولاية ونحن في الهمّ سواء.

مقالات ذات صلة