الجزائر
وزير الدفاع الأسبق الجنرال المتقاعد خالد نزار يُواصل شهاداته لـ"الشروق" / الجزء الثاني

أنا من أوقف الانتخابات.. وبلخادم حلّ البرلمان!

الشروق أونلاين
  • 53734
  • 0
مراد غرمول
الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع الأسبق خالد نزار خلال الحوار

في الحلقة الثانية من الحوار المطول الذي أجرته “الشروق” مع الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع الأسبق، يتطرق خالد نزار، إلى الجدل الذي رافق استقالة أو إقالة الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، وحيثيات حل المجلس الشعبي الوطني، الذي لايزال يلفه الكثير من الغموض، وفيه يؤكد المتحدث أن رئيس المجلس، آنذاك، عبد العزيز بلخادم، هو ذاته الذي حل المجلس. كما يعترف نزار بأنه هو من قرر وقف المسار الانتخابي، وأن رفض كل الحلول التي عرضت عليه أو سمعها، انطلاقا من قناعة ترسخت لديه، كما قال، بأنه لا جدوى من الحوار مع “الفيس”.

(كنا قد توقفنا في الحلقة الأولى عند حيثيات حل المجلس الشعبي الوطني)

نزار: نهاية المجلس الشعبي الوطني كانت في 31 ديسمبر 1991. وها هو تصريح عبد العزيز بلخادم (كما قرأه نزار من مقال يومية المجاهد): قرار اليوم: نهاية مهمة المجلس الشعبي الوطني  .

هذا بلخادم يتحدث  ..

نعم، وها هو تصريح بلخادم (يستدل نزار دائما بمقال يومية المجاهد): رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد عبد العزيز بلخادم، أعلن رسميا إغلاق العهدة الخريفية للبرلمان، ونهاية العهدة التشريعية (1987 /1991).. هنا لست أنا من يتحدث، هذا رئيس المجلس ذاته. “خلال جلسة علنية، كنت مدعوا لها ولم أحضرها، لكن حضرها رئيس الحكومة، سيد أحمد غزالي وأعضاء فريقه الحكومي.. وواضح من تصريح بلخادم أن المجلس لم يعد موجودا، اذهبوا إلى بيوتكم، وبالفعل كل واحد عاد من حيث أتى  .

هنا هو يقول (بلخادم)، لكنه فيما بعد قال غير صحيح، ولذلك أنا جئت بالمقال وبتاريخ عدد يومية المجاهد التي صدر فيها للتدليل على كلامي، حتى نكون واثقين مما أقوله. إذن المجلس أصبح من الماضي. فقط كان هناك أمر يمكن أن يكون فيه تناقض ومازال البعض يتحدث عنها، وهو توقيع رئيس الجمهورية على قرار حل المجلس أو إنهاء العهدة التشريعية  .

الشاذلي ذهب دون أن يوقع على القرار، الذي كان موجودا على مكتب الرئيس، بمعنى قبل ما يقرر بلخادم حل المجلس بيوم، بعث قرار حل المجلس للرئيس، وقبل ما يقرر الرئيس الاستقالة. نحن ما نأخذه بعين الاعتبار هو القرار الإداري، وما وقع حقيقة. ما هو مؤكد هو أن رئيس المجلس هو من قرر حل المجلس ودعانا للحفل.

لكن عبد العزيز بلخادم، قال فيما بعد إنه لم يسمع بحل المجلس الشعبي الوطني، إلا في نشرة الثامنة آنذاك للتلفزيون العمومي؟

يقول ما يريد، هو يريد تسييس الأمور، دعه يقول ما أراد. لقد ألفت كتابا وتطرقت بالتفصيل لهذه القضية، وأنا لا يمكنني أن أعود عما قلته، وبالنسبة لي، عبد العزيز بلخادم جزء من أولئك الذين قادوا الحملة ضد المؤسسة العسكرية، من خلال انخراطه في اعتبار ما حصل بعد وقف المسار الانتخابي في 1992، بأنه انقلاب على الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد. ونحن نعرف جيدا مواقف الرجل، وهي لا تحتاج إلى تفكير كثير كي نفهمها.

أنتم تقولون إذن، إن بلخادم قدم معلومات مغلوطة للرأي العام عندما يقول إنه لم يسمع بحل المجلس؟

غير صحيح، لأنه هو من حل المجلس الشعبي الوطني، وكل النواب كانوا حاضرين يومها، ومنذ ذلك اليوم عادوا إلى بيوتهم. 

وهل بحثتم في نصوص الدستور حول ما إذا كان رئيس المجلس الشعبي الوطني، يمكنه حل المجلس، أم أن الأمر يتجاوزه؟ أقصد أن رئيس الجمهورية يمكنه حل المجلس، لكن أن يقوم بهذا الدور غيره، هذا غير موجود في الدستور الجزائري؟

عندما يصل وقت نهاية العهدة ينتهي، يحل تلقائيا. عندما يصل اليوم الذي ينتهي فيه يحل. إنه إجراء إداري.

حتى نضع النقاط على الحروف، هل كانت العهدة التشريعية عادية، أم أن الانتخابات التشريعية كانت مسبقة، ومن ثم تم تقصير مدة العهدة؟

العهدة التشريعية كانت عادية.

طيب، هنا الدستور واضح، وهو يقول إن عمر العهدة التشريعية خمس سنوات، في حين أنت تحصر العهدة التشريعية في أربع سنوات (1987/ 1991)، هذا مناقض للدستور.. لأن تلك العهدة كان يفترض أن تنتهي في 1992 وليس في نهاية ديسمبر 1991؟

هذا تقديرك. العهدة التشريعية تنتهي في نهاية ديسمبر. هذا ما يقوله القانون. وأن أي تشريع يأتي بعد هذا التاريخ، لا محل له من الإعراب.

نتجاوز هذه النقطة.. لكن المتعارف عليه، أن أية مؤسسة عندما تحل أو تنتهي عهدتها، تواصل أداء مهامها تحت عنوان تصريف الأعمال، إلى غاية انتخاب أو تعيين من يخلف هذه المؤسسة أو الهيئة. لم يحترم هذا الإجراء الدستوري في قضية حل المجلس الشعبي الوطني؟

بالنسبة إلي، انتهت مدة عمل المجلس، لا يمكن لمجلس تم حله التشريع في مكان آخر. وأرجوك.. لا أريد مزيدا من الخوض في القضية.

أنت ترفض الإجابة على الأسئلة، جنرال؟

لا، أنا أجاوبك على كل الأسئلة. وإذا لم أجاوب فيمكن أن تعطي لذلك تفسيرات، وذلك من حقّك.

نأتي الآن إلى قرار وقف الانتخابات التشريعية.. الرئيس استقال، كما قلت، المجلس الشعبي الوطني غير موجود، والجزائريون ينتظرون إجراء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية.. من قرر وقف الدور الثاني؟

أنا من قرر وقف الدور الثاني من الانتخابات.

كان هناك احتمالان لمواجهة الوضع الجديد الذي أفرزته المشاكل هذه. إما نترك حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، يواصل، أو نوقف المسار الانتخابي. توقيف المسار الانتخابي هو قرار سياسي. وأنا اتخذت القرار. كفى مزيدا من المشاكل.. هل نترك البلاد تتجه نحو الهاوية؟ لذلك أخذت القرار. وبدأت المشاكل، الناس خرجوا للشوارع، وفي ظل ما عشناه كان علي اتخاذ ذلك القرار.

ما هو موقف الحكومة آنذاك؟

الحكومة كانت لاتزال قائمة. قدمنا الاقتراح للمجلس الأعلى للأمن، وقام بترسيم قرار وقف المسار الانتخابي. ولكن أنا من بادر، لأن البلاد بدأت تتجه نحو ظروف غير طبيعية وصعبة. وهنا دعني أحيط بالظروف التي جاءت بحزب “الفيس” آنذاك، وما القصد من ورائها، وأين أوصلتنا.

قبل ذلك، وبخصوص وقف المسار، أكيد درستم الاحتمالات التي يمكن أن تسقط فيها البلاد؟

لا.. أنا قمت بدوري وفقط، من يقرأ المسألة بطريقة أو بطريقة أخرى، هذا شأنهم. بالنسبة لي الوضع الذي كان أمامي كمسؤول، هو لا بد أن نتخذ القرار وقد اتخذناه. هذا قرار تاريخي، والتاريخ سيحكم. ما ترتب على هذا القرار، يحاسب عليه كل من موقعه. ولكن القرار تم اتخاذه وأنا مسؤول عليه.

من أعطى الفوز للجبهة الإسلامية للإنقاذ هم الشعب، وأنتم كقائد للمؤسسة العسكرية يفترض خضوعكم للشعب. لماذا لم تترك الجزائريين يقررون في مصير “الفيس” بعد خمس سنوات؟

عشنا ظروفا غير طبيعية من عام 1990 إلى 1992. عشنا مشاكل “الفيس”، لم يكن حزبا كغيره من الأحزاب. كان مشكلة حقيقية، ومع ذلك احترمناه كغيره من الأحزاب، بما أنه رسمته الجمهورية. ولكنه خرج على نطاق القوانين التي تحكم الجمهورية. لقد استعمل كل الأشياء بما فيها العنف، كي يصل بطريقة أو بأخرى للسلطة.

الفيس” لا يتكلم باسم الشعب، لما يكتب اسم الجلالة في السماء بأشعة الليزر، ما معنى هذا. هنا في القبة، كان لدي فيديو يظهر دخان فوق المسجد وأحد الملتحين يبكي.. من المسؤول، هل ذلك المخدوع بشهب الليزر في السماء، أم ذلك الذي قام بحيلة الليزر؟ الكثير أخطأوا، لأن فائدتهم هي الوصول إلى الحكم بالبندقية أو بالصندوق.. هذه وغيرها.

لقد اتصل بي عبد القادر حشاني (مسؤول الفيس بعد إيقاف عباسي وبن حاج تم اغتياله لاحقا) غداة ظهور نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية، وقال لي لا بد من أن نلتقي ونتباحث.. اعتقدوا أنهم قطعوا أشواطا كبيرة في مسار سباقهم من أجل السلطة، واتصلوا أيضا بالشيخ الراحل أحمد سحنون، لكنني لم أذهب إليهم. كان يمكن أن ألتقي بهم ونتفاهم، لكن على حساب من؟ لو كنت أبحث عن مصلحتي لوافقت وتفاوضت من أجل البقاء في منصبي.. لقد اعتبرتها مساومة ولذلك رفضت. لماذا يتوافقوا على ما تم اقتراحه من قبل؟

ما حقيقة ما قيل عن أنهم (الفيس) اكتفوا بثلاث حقائب وزارية؟

أنا لا أدخل في هذه “الشكشوكة”، أنا سمعت كما سمعتم أنتم. سمعنا أن سيد أحمد غزالي سيصبح رئيس جمهورية، وحسين آيت أحمد سيصبح رئيسا للمجلس، وعبد الحميد مهري سيصبح.. لست أدري.

لكن، هل سمعت بهذا الاتفاق؟

سمعت به نعم، لكني لا أؤكده ولا أنفيه. ولا أريد مزيدا من الخوض في هذه المسالة، وأظن المحامي بشير مشري (محامي قادة الفيس) تحدث على هذه القضية. ولكن من الممكن أنهم فكروا في هذا الشيء.

وأنت رفضت المقترح من أساسه؟

طبعا.

من موقعك كوزير للدفاع يومها، كان يمكنك احتواء الوضع لتجنيب البلاد المشاكل العويصة التي سقطت فيها آنذاك، لاسيما وأنكم بحكم المعلومات التي كانت بحوزتكم، تدركون الدوامة التي كانت البلاد تتجه نحوها. ما قولكم؟

سنتان ونصف ونحن في المفاوضات معهم ولم نصل إلى نتيجة. لقد وصلنا إلى قناعة مفادها أنه لا فائدة من التقارب مع هؤلاء (يقصد الفيس). تكلموا مع غزالي، تكلموا مع الكثير، والجميع ترسخت لديهم قناعة بأن هؤلاء لا فائدة من الحوار معهم. لقد كانت بينهم العديد من التيارات غير متجانسة، حتى عندما اقترح عليهم الرئيس الشاذلي رئاسيات مسبقة، عباسي مدني قبل، والآخرون رفضوا.

قلت إنك خاطبت قادة “الفيس” وقلت لهم “ضعوا أرجلكم في الركاب”، معنى هذا أن لديك استعدادا للحوار معهم، لكن هم عرضوا التنازل.. لماذا لم تسايرهم حفاظا على استقرار البلاد؟

وهل عرضوا علي، أنا سمعت بهذا المقترح مثلكم. وفوق ذلك، أنا لن اقبل باقتسام الكعكة، ليس لدي ما أقتسمه معهم. هم اتصلوا بي فعلا، لكنني كنت في اتصال معهم لمدة سنتين، والتقيتهم وقلنا لهم، ولكن مع الأسف.

الآن نذهب لنقطة أخرى، وأعطوني قليلا من الوقت لأشرح للرأي العام.. تصفحوا شبكة الأنترنيت، تجدوا مخططا أمريكيا أخذ اسمه معده وهو مستشار الأمن القومي السابق، بريجينسكي، وجاء ذلك في كتاب عنوانه “لعبة الشطرنج”. وقد أنجز بين 1977 و1981، من طرف اليهودي الصهيوني برنارد لويس، وهو مستشرق، بالإضافة إلى سياسي آخر وهو يهودي أمريكي، بريجينسكي، وضعا مخططا للسيطرة على العالم.

سكان الولايات المتحدة الأمريكية، يمثلون ستة في المائة من سكان العالم، ولكن يملكون خمسين بالمائة من ثروة العالم. أمريكا قوية بفضل سيطرتها على الثروة العالمية وقدرتها على تحريكها.. هناك 30 مليون أمريكي يسيطرون على نصف ثروة العالم. وهناك نقطة أخرى، وهي إسرائيل التي يجب أن تستمر رغم محاصرتها من قبل الدول العربية والإسلامية، وهذا يتطلب تفكيرا عميقا. إذن، فكّروا وقسموا العالم إلى مناطق صلبة وأخرى رخوة.

 ثم خاطب الصحفي مازحا، إذن قرأت مخطط بريجينسكي؟ ولماذا توجه إلي مثل هذه الأسئلة؟

 نحن ننقل أسئلة الجزائريين..

نحترم ما يفكر فيه الشارع، ولكن مثل هذه الأسئلة لا تخدم البلاد.

هذا تقديرك، جنرال..

إذن، مخطط بريجينسكي معروف. المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إي) كانت تخطط من قبل للجزائر، كانت مبرمجة بعد أفغانستان، وبعد ما أخرجوا الاتحاد السوفياتي (سابقا) من أفغانستان بمساعدة دول إسلامية، توجهوا للجزائر بحكم عدة اعتبارات، ثرواتها، موقعها الجغرافي، مواقفها من بعض القضايا، وهنا وقع اجتماع أطلانطا، وتم اختيار لكل دولة معنية واحد من أبنائها، فجاء اختيار عبد الله أنس، وهو أحد الجزائريين الأفغان، الذي يقيم حاليا في بريطانيا. ربما عباسي مدني وعلي بن حاج لم يكونا على اتفاق تام مع عبد الله أنس، فتركاه هناك، ومع ذلك فقد خدمهما كثيرا.

وهنا تم استحداث ما عرف بـ”قوس الأزمة” والذي ينطلق من بحر قزوين ويصل إلى شمال إفريقيا، مرورا بإيران والعراق والمملكة العربية السعودية.. هذه برامج وتطبيقها نقف عليه حاليا، فيه دول حقق فيها نجاح مثل العراق، سوريا مثلا، ولم ينجح مثلا في تونس والجزائر. ماذا يقول مخطط بريجينسكي (أخرجَ خريطة تشرح المخطط).

ولماذا كانت إسرائيل طرف في هذا المخطط، لأنها تعرف العرب والمسلمين جيدا، إنهم طوائف ومذاهب، وهذا ما هو واقع.. سلفية جهادية، سلفية علمية.. وهذا يسهل عملية التقييم، خاصة وأننا لا نفكر جيدا، حتى السعودية توجد في مخططهم.


..يُتبع

مقالات ذات صلة