الرأي

أنيميا الرجولة

كتبتُ منذ بضع سنوات في جريدة الشروق مقالين أحدهما تحت عنوان “أنيميا الإيمان”وثانيهما تحت عنوان “أنيميا الوطنية”، وها أنا أعزِزُهما بثالث تحت عنوان”أنيميا الرجولة”.

والأنيميا مرض يصيب الإنسان عندما ينقص في جسمه عدد الكريات الحمراء، أو ينقص فيها اليَحْمُور أي الهيموغلوبين. ومن أسبابه وجود بعض الطفيليات في الأمعاء فتأخذ من دم المريض، وتفرز بعض السموم.

إن هذا النوع من الأنيميا لا يهمني، ولكن الذي يهمني هو ما أشرت إليه في المقالين السالفين من نقص الإيمان ونقص الوطنية، بل لقد أحسسنا في هذه السنوات الأخيرة أن هذين العنصرين الهامين (الإيمان والوطنية) يكادان ينعدمان عند كثير من الناس ولو أكثروا من الحديث عنهما، والتمظهر بهما رياء، كذلك الذي يتمظهر بالزُهدِ ولكنه انكشف عندما قال للأخ سلال: “إذا راح بوتفليقة شكون لينا”، مما يدل على أن قلبه ليس معلقا بالله، وإن علّق في رقبته سُبحة ذَرْعُها سبعون ذراعا، وكذلك الذي يُنقْنِقُ كالضفدعة عن الوطنية وهو آلة لتنفيذ مصالح الغير، ويُخَرّب الجزائر ليُعَمِّرَ بلدان أعدائها، بسرقة أموالها و تهريبها إلى تلك البلدان.

وأما هذا النوع من الأنيميا (أنيميا الرجولة) عند بعض الكائنات عندنا فهو في نظري أخطر، حيث رأينا أناسا ليس لهم إيمان ولا وطنية ولكنهم كانوا”رجالا”، وها هو أحدهم وهو عنترة بن شداد الجاهلي يقول في رجولة كاملة:

وأغُضُّ طرْفِي إن بَدتْ لي جارتي       حتى يُوارِي جارتي مأواها

بينما نرى ونسمع أناسا عندنا يزعمون الإيمان ويرسلون لحاهم دليلا على ذلك، وأناسا يدّعون الوطنية بوضع العلم على صدورهم وهم منهما “صَلْقعٌ بَلْقعٌ”.

لقد لفت نظري إلى هذا النوع الخطير من الأنيميا ما قالته خليدة تومي تعليقا على ما صرح به ياسف سعدي عن زهرة ظريف، والذي قالته خليدة هو: “راحت الرجولية”. (الخبر في 09 / 02 / 2014 ـ ص27)، كما لفت نظري إليه ما نسمعه على ألْسِنَة بعض هؤلاء البرّاحين في هذه الحملة الانتخابية، حتى إن أحدهم قال ما معناه إن بوتفليقة أطعم الجزائريين من جوع وآمنهم من خوف، وهو في هذا يشبه شاعرا سفيها في قوله لحاكم أكثر سفاهة وهو:

ما شِئْت لا ما شاءت الأقدارُ       فاحْكُم فأنت الواحد القهار

وإن الإنسان ليتساءل عندما يسمع تلك الكائنات: هل ما يخرج من أفواهها يدل على الذكورة، فضلا عن الرجولة التي وصف بها الله عز وجل صنفا من البشر يكاد يندثر.

وأضيف إلى ما قالته خليدة تومي (راحت الرجولية): “إن الأنوثة تكاد تذهب هي الأخرى” شكلا ومضمونا، وقد كانت نساء العرب يفتخرن بأنوثتهن كما كان الرجال يفتخرون برجولتهم، ومن أمثالهم في هذا الشأن: “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها”، وقد كانت الأديبة اللبنانية المسيحية مي زيادة عندما تكتب لمصطفى صادق الرافعي تقول له: “وحَقِّأنوثتي”، فالأنوثة كالرجولة ِ”خلاَلٌ وخِصال، وهِممٌ تتشقق عن فِعال…، وجموحٌ عن مواطن الذلِّ” وهو ما يرفع الرجولة إلى درجة الفحولة، ورحم الله الإمام الإبراهيمي الذي كان يقول عن الإمام ابن باديس: “إنه كان فناً في الرجولة”. وما أحوج الجزائر إلى هذا النوع من أبنائها، ورحم الله الشيخ العباس بن الحسين الذي كان يردد:

يا دهرُ وَيْحك ماذا الغَلَطْ    وضيعٌ علاَ ورفيعٌ هبَطْ

مقالات ذات صلة