الجزائر
قائد الولاية التاريخية الرابعة يوسف الخطيب يواصل شهادته لـ"الشروق" ( الجزء الثالث):

أوقفنا الحرب لأن جيش الحدود أصرّ على استلام الحكم بالقوة

الشروق أونلاين
  • 22396
  • 28
ح.م
قائد الولاية التاريخية الرابعة يوسف الخطيب

في الحلقة الثالثة من الحوار الذي أجرته “الشروق” مع قائد الولاية الرابعة التاريخية، يوسف الخطيب، المدعو سي حسان، يتحدث عن إرهاصات أزمة صائفة 1962، وكيف حاول بن وبلة ومن ورائه جيش الحدود الزحف على العاصمة لاستلام الحكم، وكيف واجهته الولاية الرابعة بقوة السلاح، وكذا محاولات بن بلة لثني قادة الولاية عن اعتراض طموحاته، بالإضافة إلى المناورات التي قام بها ياسف سعدي من أجل التمكين لجيش الحدود.

نصل الآن إلى أزمة صائفة 1962.. شعرت من خلال ما سبق من كلامكم، أن الحكومة المؤقتة سحبت البساط من تحت أقدام الولاية الرابعة، من خلال موفديها للعاصمة، الرائد عزالدين والرائد موسى.. ما تعليقكم؟

في أفريل أو ماي 1962، بعد الإفراج عن المعتقلين الخمسة، تمت دعوتنا لحضور اجتماع مجلس الثورة في العاصمة الليبية طرابلس.. لكن نحن في الجبل لم يكن بإمكاننا الذهاب إلى تونس ومن ثم إلى ليبيا..

عفوا، نحن الآن في مرحلة وقف إطلاق النار بعد التوقيع على اتفاقيات إيفيان.. فلماذا لا تستطيعون التنقل إلى الخارج.. وما هي المحاذير؟

نحن لم نكن على دراية تامة بمضمون اتفاقيات إيفيان، التي نعرف بعض تفاصيلها التي تتحدث عن بقاء قوات جيش التحرير في قواعدها. هناك من المسؤولين من قيادات الثورة من نزلوا بعد وقف إطلاق النار إلى المدن وتم القبض عليهم من قبل الجيش الفرنسي.. تم القبض على الكثير من رجالنا، ولكن لحسن الحظ كانت هناك اللجان المختلطة المشكلة من جيش التحرير ومن الجيش الفرنسي التي أقرتها اتفاقيان إيفيان، حيث تدخلت هذه اللجان وأفرجت عن الموقوفين لدى الجيش الفرنسي. ولهذا كنا نتحرك بحذر، تفاديا لخرق اتفاقيات إيفيان.

دعني أسوق لك مثالا بهذا الخصوص، من جهة حجوط (ولاية تيبازة)، وصلنا حتى إلى إجبار الجيش الفرنسي على عدم التحرك من ثكناته، إلا بعد إبلاغنا مسبقا، وذات مرة لم يحترم الجيش الفرنسي في حجوط دائما هذا الاتفاق، فنصبنا له كمينا وأسرنا جنودا وغنمنا منهم أسلحة..

إذن نعود للسؤال، قلنا لا يمكننا التنقل إلى ليبيا، ففكرنا وقررنا إرسال بعض رجالنا الذين يوجدون في الخارج، وقد اخترنا العقيد أحمد بن شريف (قائد الدرك الوطني في عهد الراحل بومدين) لتمثيلنا. وقد كان هذا الرجل يعمل في الجيش الفرنسي ثم هرب والتحق بجيش التحرير، ثم التحق بالخارج كغيره من العديد من قادة الولاية الرابعة، وفي سنة 1960 عاد مجددا إلى الداخل ووصل في أوت إلى الولاية الرابعة.. كنا ثلاثة في مجلس الولاية، سي محمد وسي يوسف وأنا، وصل بن شريف وأصبح عضوا رابعا في مجلس الولاية الرابعة.

بقي شهرا في مقر القيادة، وفي أكتوبر قسمنا المهام، أنا اتجهت نحو الجهة الغربية، سي يوسف كان في جهة الوسط والجنوب، وبن شريف اتجه للمنطقة الأولى باليسترو (الأخضرية حاليا)، فتم القبض عليه. واختيارنا للعقيد بن شريف لتمثيل الولاية الرابعة في مؤتمر طرابلس جاء نظرا للشجاعة التي كان يتحلى بها..

كان جدول اجتماع طرابلس يتمحور حول البرنامج الذي سيطبق بعد الاستقلال ويتكون من نقطتين أساسيتين، وقد تم الاتفاق على تبني النهج الاشتراكي من دون مشاكل، هذا بالنسبة للمحو الأول. أما النقطة الثانية فتمثلت في تعيين المسؤولين، وهو الأمر الذي لم يحدث بشأنه اتفاق، حيث دبت الفوضى وانفض الجميع من دون نتيجة.

وقد استغل بن بلة الفرصة وسارع إلى ذكر بعض الأسماء وقال إنهم يشكلون المكتب السياسي، وبالنسبة إلينا هذا المكتب لم يكن شرعيا، لأنه لم يتم اختياره عن طريق الانتخابات. علما أنه تم الاتفاق منذ البداية على أن المكتب السياسي يختاره الثلثان. بن بلة وضع القادة المسجونين (بن بلة، آيت أحمد، خيدر، بوضياف) ضمن المكتب السياسي وأضاف لهم الحاج بن علا ومحمدي السعيد.

وماذا كان مصير الباءات الثلاث (عبد الحفيظ بوالصوف ولخضر بن طوبال وكريم بلقاسم)؟    

لو سمحت، دعني أكمل.. خلال اجتماع طرابلس، وقع انقسام، بن بلة إلى جانب قيادة الأركان (هواري بومدين) ومعهم كل من الولاية الأولى والخامسة والسادسة، في الجهة المقابلة توجد الحكومة المؤقتة إضافة إلى كل من الولاية الثانية والثالثة. وفيما يخص نحن الولاية الرابعة التي مثلها بن شريف فقد اختار الوقوف إلى جانب بن بلة، عكس رغبة قيادة الولاية.

لما عاد بن شريف إلى الولاية كنت أنا من واجهه وقلت له، الموقف الذي اتخذته لا يساعدنا، لأن قيادة الولاية الرابعة تصر على البقاء على الحياد في الأزمة. لدينا العديد من الملاحظات على الطرفين، الحكومة المؤقتة من جهة، وبن بلة وقيادة الأركان من جهة أخرى، وثانيا من أجل تسهيل السعي للإصلاح بين المعسكرين، فقرر بن شريف اختيار جناح بن بلة.

ذات مرة أوفدنا سي يوسف إلى تونس من أجل استشراف الوضع هناك، كما أكدنا بقاء الولاية الرابعة على الحياد ومواصلة البحث عن وفاق، وقد سافرت شخصيا إلى الرباط لشرح موقفنا. وفي 25 جوان 1962 انتظم اجتماع في منطقة زمورة بالولاية التاريخية الثالثة، حضرته الولايات الثانية والثالثة والرابعة واتحادية جبهة التحرير بفرنسا، فدرالية جبهة التحرير بتونس والمنطقة الحرة، وفي هذا الاجتماع تم الاتفاق على أن الحكومة المؤقتة هي الشرعية، إلى أن يحسم المؤتمر في خيارات أخرى. كان هذا في جوان، أما في الشهر الموالي جويلية فلم يسجل جديد. وقبل ذلك في جوان سافرت إلى الرباط، لأنه كان هناك طرفان، معسكر تلمسان (بن بلة وجماعته)، ومعسكر تيزي وزو، (أي كريم بلقاسم وبوضياف وجماعتهما)، وكانت مهمتي دوما هي بقاء الولاية الرابعة على الحياد، وقد حاولت التوسط بين الطرفين، لأن البلاد في خطر، واقترحت على الجميع الدخول إلى البلاد والاجتماع لتجنيبها مخاطر الحرب مجددا، لكن بن بلة ورفاقه رفضوا، وكانوا مصرين على الاستيلاء على الحكم بكل الطرق.

وموقف عبد الحفيظ بوالصوف من هذا النزاع؟

بوالصوف في ذلك الوقت كان جزءا من معسكر تيزي وزو، أي مع الحكومة المؤقتة.

ونظرا لوقوف الولاية الرابعة على الحياد، فقد تمكنت من جمع الولايات لاجتماع آخر بالشلف بحثا عن حل للأزمة، منهم العقيد الزبيري عن الولاية الأولى، وصالح بوبنيدر عن الولاية الثانية، ومحمد أولحاج عن الولاية الثالثة، وأنا عن الرابعة، وعثمان عن الخامسة، وشعباني عن الولاية السادسة، ولكن لم نستطع الوصول إلى حل للأسف. وبعد يومين قدمت الولاية الرابعة اقتراحا آخر، وهذا للتاريخ، يتمثل في ترك مشاكل الخارج والداخل جانبا، واقترحنا على كل ولاية تعيين سياسي وعسكري يمثلها، السياسي يحضر لانتخابات، والعسكري يبحث في تحويل “جيش التحرير” إلى “جيش وطني”، لكننا لم ننجح أيضا.

في ذلك الوقت كان معسكر بن بلة يصرح من تلمسان على لسان بومنجل، ويؤكد أن المكتب السياسي يتكون من سبعة أعضاء، وقبل ذلك دخلنا نحن العاصمة في عشرين جويلية، مع إصرارنا على بقائها على الحياد، ودخل جيش الولاية الرابعة بقوة إلى العاصمة، ودعونا ممثلين عن كل الولايات لحضور احتفالات عيد الاستقلال. الولاية الخامسة أرسلت وفدا من الضباط وعلى رأسهم المدير العام السابق للأمن الوطني، الراحل علي تونسي، فيما تغيبت الولايتان الثانية والثالثة. وامتد الحفل من القبة إلى غاية سيدي فرج ورفعت الأعلام على الطريق. البعض تحدث عن تنظيم الولاية الثالثة لهذا الحفل، لكن هذا غير صحيح، لأن الولاية الرابعة هي التي كانت مسؤولة عن العاصمة، ودخلت بقوة، لأن جيشها كان قويا، ورفعنا العلم الوطني على مؤسسات الدولة.

هل واجهتم جهة ما لما دخل جيش الولاية الرابعة إلى العاصمة؟

لم تواجهنا أية جهة. لكن من بعد نعم.

وماذا عن جماعة الرائد عز الدين؟

لا، الرائد عز الدين لم يكن قادرا على فعل أي شيء. لكن واجهنا ياسف سعدي، لأنه اختار معسكر جماعة تلمسان، وقد أدخل الكثير من السلاح، لكننا اكتشفنا ذلك.. جلب السلاح لتسليح بعض رجاله في العاصمة وأصبح له جيش صغير، هو تحدث عن فيلق (bataillon).

كانت لكم معه مواجهات بالتأكيد؟

نعم، الاحتكاك وقع للأسف وقد خلف سقوط شهداء، من الطرفين.

فقط دعني أعود أكمل.. نحن لما دخلنا العاصمة، قلنا إن العاصمة للجميع. حينها صرح أحمد بن بلة من تلمسان بأنه يرغب في المجيء إلى العاصمة، فقلنا له على الرحب والسعة، ولدينا هنا في “مؤسسة ذاكرة الولاية الرابعة التاريخية”، صورة تذكارية تظهر بعض رموز معسكر تلمسان يتقدمهم الرئيس الراحل أحمد بن بلة، وأبدو أنا إلى جانبهم.

ولما حضر بن بلة ورفاقة إلى العاصمة استقروا في”فيلا جولي”، وكان ذلك في جويلية 1962. في الثاني من أوت 1962، وقع اتصال بين معسكري تلمسان (بن بلة وقيادة الأركان) ومعسكر تيزي وزو (الحكومة المؤقتة، أي بن خدة ورفاقه)، واتفقا على الاعتراف بالمكتب السياسي الذي أعلنه بن بلة في مؤتمر طرابلس.

وممن يتكون المكتب السياسي؟  

مثلما أسلفت، يتكون من المساجين الخمسة المفرج عنهم، بالإضافة إلى حاج بن علا ومحمدي السعيد.

وماذا عنكم في الولاية الرابعة؟

معسكرا تلمسان وتيزي وزو اتفقا على تشكيلة المكتب السياسي ونحن بقينا على موقفنا الطاعن في شرعيته. إذن بقيت جماعة تلمسان تقيم في “فيلا جولي”، وحينها أدلى محمد خيضر وهو عضو المكتب السياسي بتصريح هاجم فيه “جيش التحرير”. بعدها انتقل الحديث إلى المجلس التأسيسي، فوقع النقاش حول التمثيل فيه، فاقترح محمد خيضر بعض الأسماء، لكنها لم ترق للولاية الرابعة، فرفضناها.

هل يمكن أن تذكر لنا بعض الأسماء التي رفضتم عضويتها في المجلس التأسيسي؟

لا تحضرني الأسماء حاليا، لكن بعض الأشخاص الذين تم اقتراحهم من قبل معسكر تلمسان لم يكونوا مناضلين.. كما قدمنا نحن أسماء تمثل الولاية الرابعة من المجاهدين، وبقي الشد والجذب بين الطرفين، إلى أن أعطى خيضر الأمر لجيش الحدود بالزحف على العاصمة، فكان ردنا واضحا، وهو رفض دخول جيش الحدود العاصمة بقوة السلاح.

إذن الخلاصة، الولاية الرابعة فقط هي فقط من رفض سيطرة جيش الحدود على السلطة بقوة السلاح، كل الجماعة وافقت على ذلك، إلا نحن.

إذن كان رفضكم هذا إيذانا ببداية المواجهة العسكرية بين جيش الحدود الذي يقوده هواري بومدين (قيادة الأركان) ومن ورائه بن بلة ورفاقه، والولاية الرابعة؟

موقف الولاية الرابعة كان واضحا منذ بداية الأزمة، وهو رفض دخول العاصمة بالقوة مهما كانت هذه القوة. ولذلك أعطينا أوامر بوقف زحف جيش الحدود عند حدود الولاية الرابعة، في الشلف بمنطقة أولاد عبد القادر بالنسبة للجهة الغربية، وفي الزبيرية بولاية المدية (جنوب الولاية الرابعة)، وفي شرق الولاية عند سور الغزلان (البويرة).

وقعت اشتباكان واضطرابات على مدار يومين، عندها جاءني بن بلة يبحث عن حل للأزمة. ولما وجدت الولاية الرابعة أنها هي الوحيدة التي تواجه جيش الحدود، قررنا توقيف الحرب، والدليل على ذلك، هو أنني وبن بلة استقلينا طائرة من نوع هيلكوبتر، وانتقلنا إلى المواقع الثلاثة التي سبقت لها الإشارة من أجل إيقاف الحرب. الكثير قالوا إن جيش الحدود دخل العاصمة بقوة، والصحيح هو غير ذلك، جيش الحدود لم يدخل العاصمة عنوة وإنما بعد وقف الولاية الرابعة للمواجهة بعد الاتفاق مع بن بلة.

لكن ومن خلال كلامكم يُفهم أنكم سلمتم العاصمة لهم؟

الحرب اندلعت وبدأ سقوط الشهداء.. لذلك قررت الولاية الرابعة أمام إصرار جيش الحدود على دخول العاصمة مهما كلف من ثمن، قررنا وقف الحرب، كنا أكثر عقلانية.

وماذا عن معسكر تيزي وزو (الحكومة المؤقتة ومن معها)؟

هم قبلوا أيضا بالأمر الواقع.

بمن فيهم عبد الحفيظ بوالصوف؟

نعم.. قبلوا كل شيء، وانتهى الأمر. كان هذا حوالي نهاية أوت 1962، وانتخابات المجلس التأسيسي في سبتمبر. وبالفعل أجريت الانتخابات وأصبح آيت أحمد وكريم بلقاسم عضوان في المجلس التأسيسي. وأعيد وأكرر للتاريخ، إلا الولاية الرابعة التي رفضت دخول جيش الحدود إلى العاصمة والاستيلاء على الحكم بالقوة.

مقالات ذات صلة