الجزائر
قصص ضياع واختفاء وهروب تنتهي بالموت

أولياء يقتلون أطفالهم .. بالإهمال!

آمال عيساوي
  • 2176
  • 7
أرشيف

تشهد الجزائر مؤخرا تناميا مخيفا لحالات ضياع الأطفال وهروبهم من البيت، والتي تصنفها مصالح الأمن في بالبداية كحالات اختطاف، لتبين التحقيقات لاحقا أن الأمر يتعلق بضياع وهروب الصغار من المنزل بسبب الإهمال العائلي والتصرف الخاطئ للأولياء مع صغارهم عن طريق التعنيف والترهيب والوعيد والانشغال عنهم.. ليتحوّل الأطفال إلى ضحايا لإهمال أوليائهم وسط تجريم القانون لهذه الظاهرة حسب الكثير من المختصين..
عاشت ولاية شرقية قبل مدة واحدة من أفجع المآسي التي طالت البراءة في تاريخ الأسرة الجزائرية، عندما أنّب أب عاد متعبا من عمله، ابنيه التوأم، بعد أن اكتشف غيابهما من المدرسة فضربهما وهدّدهما بمزيد من العقاب، فحمل الصغيران “همومهما” وغادرا مسكنهما، ولم يكونا قد بلغا الثامنة من العمر، وراحا يشقان الفيافي، إلى أن بلغا جبل المنطقة الشاهق، فتاها وجاعا وقتلهما الخوف، فلجأا سويا يضمّ كل منهما الآخر إلى كهف حجري وراحا يعُدان الدقائق لمطلع الشمس، وتفادي أنياب الذئاب والخنازير، إلى أن قتلهما الخوف فوجدهما أهل المنطقة ورجال الدرك، جثتين يحضن كل منهما أخاه التوأم، في منظر هزّ الجزائر، وتحوّل إلى ما يشبه أسطورة الخوف وأيضا جهل الأولياء في التعامل مع أبنائهم.
للأسف قصة التوأم ليست إلا حلقة بسيطة من مسلسل طويل جدا، وفي كل نهاية مأساة بطلها طفل بريء أراد اللعب أو الترويح عن النفس أو شدّه الفضول لمغامرة بريئة فكانت نهايته المأساوية، وكان ضمن أسباب هذه النهايات أب مشغول بعمله، وأم مهمومة بواجباتها البيتية التي لا تنتهي ومنظومة اجتماعية تركز على الإنجاب وتُهمل التكفل النفسي والاجتماعي والمادي بالأطفال، وأيضا غياب تام لسياسة تحمي الأطفال وتمنحهم كمية من الأوكسجين ليتنفسوا الحرية الحقيقية وحبّ العمل والنجاح، فقد عادت ظاهرة اختفاء الأطفال والقصر في ظروف غامضة للظهور مجددا، حيث صرنا نسمع عن اختفاء وقتل الأطفال بطريقة رهيبة، وكل أصابع الاتهام توجه على الدوام إلى المختطفين المجرمين، لكن هذا لا ينفي أن هنالك دوافع أخرى تؤدي بالأطفال إلى الاختفاء والوقوع في شباك هؤلاء الوحوش الآدمية ومن أهمها غياب رقابة الأولياء وغفلتهم عن أبنائهم، وهو ما جعل مطلب البحث عن جواب لسؤال مهم وهو أين يكون الأولياء عند اختطاف أبنائهم؟؟

قصص تتكرّر وأولياء لا يعتبرون

قصص عديدة لأطفال أبرياء قتلوا من دون ارتكاب أي ذنب، بعضهم راحوا ضحايا وحوش بشرية وآخرون ماتوا بطرق مختلفة سواء بالغرق أم عن طريق الخوف أو بتعرضهم للجوع والبرد والخوف وهناك من تأكلهم الكلاب والذئاب، في غفلة من آبائهم وهو ما جعل أصابع الاتهام توجه أيضا إلى الأولياء، إذ أنهم يتحمّلون جزءا كبيرا في ضياع أبنائهم لأنهم ينشغلون عنهم بأمور أخرى يعتبرونها أهم من حراسة ورقابة الأبناء، إلاّ أن هناك أسباب أخرى كغياب أمكان للترفيه والتسلية ومنتجعات سياحية تكون بأسعار رمزية يتم أخذ الأطفال إليها في أيام العطل والراحة للترفيه عنهم، بدل بعثهم للعب في الشارع وسط عديد الوحوش الآدمية التي تتفنن وتتلذذ باختطاف الأطفال وتعذيبهم والتنكيل بجثثهم واغتصابهم ثم قتلهم بأبشع الطرق من دون رأفة ولا رحمة بهم.
وهنا لا يجد الأولياء من حلول أمامهم في الترفيه والترويج عن أبنائهم سوى بطريقتين أحلاهما أمر من الثانية، فإما أن يتركونهم معهم في المنازل ويمنعونهم من الخروج وبالمقابل يسمحون لهم باستعمال الأجهزة الالكترونية من هاتف نقال وجهاز الكمبيوتر، فيغرقون في ألعاب قد تسبب لهم عقدا نفسية وتعلمهم العنف وسلوكات غريبة، أو مشاهدة التلفاز لساعات طويلة الأمر الذي قد يصيبهم بالتوحد، وهو الأمر الذي حذر منه الأخصائيون النفسانيون في مناسبات عديدة باعتباره يسبب مشاكل نفسية وجسدية لا تعد ولا تحصى للأطفال، وإنما يبعثونهم للعب في الشارع وهنا لن يستطيعوا مراقبتهم بشكل جيد، فالأب عادة ما يكون في العمل، في حين تنشغل الأم بالواجبات المنزلية فيضيع الأبناء سواء أتم اختطافهم أم أنهم يتيهون عن المنزل بمفردهم ولا يستطيعون العودة، وإن ظلوا فسيتعلمون سلوكات مخلة بالحياء في حالة ما إن لم يتم مراقبتهم بشكل جيد والحرص على الأطفال الذين يتم اللعب معهم.

القانون يعاقب على التقصيرية

أكد المحامي إبراهيم بهلولي، أن الأولياء الذين يتسببون في ضياع وموت أبنائهم بالإهمال وعدم حراستهم والتهاون في أداء واجباتهم تجاه أولادهم وخاصّة القصر يسمى من الناحية القانونية بمتولي الرقابة وأي إهمال فيها تتم معاقبة الأولياء قانونيا وتكون العقوبات حسب بهلولي مدنية في حالة ما إذا كان فعل الإهمال خطأ وغير متعمّد، في حين تكون جزائية في حالة ما إذا كان إهمال الأطفال متعمّدا، حيث يُعتبر الأب أو الولي المسؤول الأول عن الأبناء، وخاصة عندما يكونون قُصرا، إذ أنّ القانون يطلب نوعا من الحماية، وفرض واجبات تقع على عاتق الأولياء أولها اختيار الاسم للطفل عند ولادته مباشرة، ثم حمايته جسديا ومعنويا من خلال توفير حق اللباس والمأكل والمشرب ومكان للنوم الآمن وكذا العلاج، وحق الدراسة واللّعب وحراسة الطفل في جميع خطواته ومراحل حياته إلى أن يُصبح راشدا، وصرّح بهلولي في سياق ذي صلة، أنّه حسب المادتين 124 و125 من القانون المدني، يقع على عاتق الأب أو الولي المقصر عقوبة المسؤولية التقصيرية، بمعنى إذا غفل الولي عن أداء أحد واجباته تجاه أبنائه، يعاقب مدنيا، وتتحول عقوبته إلى جزائية في حالة ما إذا كان إهماله متعمّدا.

غياب رقابة الأولياء من أهم أسباب ضياع الأطفال

من جهته، أبدى رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل “ندى” عبد الرحمان عرعار، تأسفه من الوضع الذي آل إليه الأطفال جراء إهمال واستهتار وتهاون الأولياء، حيث أكد “للشروق” أنّ المتهم الأول فيما يحدث للأطفال هم الآباء، مضيفا أن هناك عديد الأسباب التي تؤدي بالأطفال إلى الخروج من منازلهم فهناك عوامل مقصودة تقوم بناء على خلفيات تتراكم في المنزل الذي يعيش فيه الطفل من صراعات بين الأولياء وضغط على الأبناء ومشاكل اجتماعية قاسية كالتعدي على الأطفال بالضرب وتعنيفهم إلى غير ذلك، وهناك عوامل غير مقصودة، كخروج الأطفال للعب أو لقضاء غرض ما فيضيعون من دون أن يحس عليهم شخص، وهذا راجع حسب ما أكد المسؤول إلى غياب رقابة الأولياء وغفلتهم عن أبنائهم وانشغالهم بأمور أخرى.
وصرّح المتحدث في سياق ذي صلة أنّ هناك بعض الأطفال يضيعون منذ الصباح ولا يتم اكتشاف أمرهم من قبل أوليائهم إلى غاية الليل وهذا أكبر دليل على إهمالهم، وأضاف، أنه لا بد من مراقبة الأطفال سواء في البيت أو في الشارع بدءا من معرفة المكان الذي يلعبون فيه والأشخاص الذين يتواجدون من حوله وتحديد وقت لمراقبة الأطفال بين الفترة والأخرى.
وأكد عرعار أنّ هناك أطفال يضيعون عن منازلهم ولا يعرفون أين يتوجهون، وهنا تصبح حياتهم في خطر، فمن الممكن أن يتعرض لاعتداءات جسدية وقد يتعرضون للحيوانات المفترسة، ومن الممكن أن يقضي عليهم البرد والخوف والجوع، وأضاف المتحدث، أن الأولياء يتحمّلون جزءا كبيرا من كل ما يصيب أولادهم، وشدّد المتحدث على ضرورة خلق فضاءات للتسلية والترفيه، حتى يتمكن الأولياء من اصطحاب أطفالهم إليها، وأضاف أن بعض الأولياء غير واعين بما يحدث في الشارع لهذا تجدهم لا يقدمون الرقابة والحراسة الكاملة لحماية أبنائهم من أي مخاطر يتعرضون لها في الشارع.

مقالات ذات صلة