-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أوهنُ البيوت..

عمار يزلي
  • 540
  • 0
أوهنُ البيوت..

ما يعيشه الكيان الصهيوني خلال الأعوام والأشهر الأخيرة بالذات، يعكس حجم التحول في المنطقة برمتها، خلافا لما قد يفهم بأن “إسرائيل” مازلت القوة المحركة القابضة على زمام منطقة الشرق الأوسط، طرف الزمام الأبعد في أيدي واشنطن: اتضحت مؤخرا أن الوهن قد أصاب كل مفاصل هذا الكيان المصطنع المفتعل في المنطقة، الذي يشبه الجسم الغريب في الجسد الخلوي، الذي سرعان ما ترفضه الخلايا الأصلية وتحاصره حتى يندثر بالأقدمية.

التآكل هذا، هو تحصيل حاصل لما حصل قبل نحو 80 سنة من تأسيس هذا الكيان، عندما كانت الأمة العربية والإسلامية تعيش أحلك وأسوأ أيامها، إما رازحة تحت نير الاستعمار الفرنسي في كل من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، أو تحت الانتداب البريطاني الذي كان يشمل معظم بلدان الشرق الأوسط ودول الخليج، مع جيوبٍ إيطالية في ليبيا وفرنسيةٍ في سوريا ولبنان.

نهاية الحرب العالمية الثانية شهدت أضخم الصفقات في تقسيم النفوذ في المنطقة تماشيا مع خريطة سايكس بيكو سنة 1916، وتقسيم إرث “الرجل المريض”.

وقتها، كانت الشعوب العربية وأنظمتها واقعة تحت الهيمنة الغربية، ولولا بروز الحركات التحررية مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي، كرد فعل على التقسيم التعسفي للدول التي كانت وقودا للحرب العالمية ولم تستفد منها شيئا، ومنها الجزائر التي وجدت نفسها تثور على الوضع القائم وتعتبر فلكسني جوهر القضية العربية منذ بداية الحركات السياسية الوطنية الاستقلالية حتى قبل ذلك بكثير، وبالذات منذ سايكس بيكو.

ظهور معسكر جديد والحرب الباردة، ساعد في نمو الحركات التحررية، وبدأت الشعوب تستفيق وحدثت أول ثورة في المنطقة: ثورة الضباط الأحرار في مصر في 23 جويلية 1952، لتنفجر بعدها سلسة من الثورات ضد الاحتلال والانتداب. واليوم لا ينقص إلا استعادة اللحمة والوَحدة الإسلامية والعربية من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة في فلسطين وفي بلداننا التي لا تزال تعاني الاستلاب ونقصان السيادة بما فيها الاقتصادية، التي هي السبيل الأوحد لقوتنا من جديد.

هذه العودة للتاريخ، هو فقط تذكيرٌ بأن الكيان الصهيوني الذي أقيم على أرض فلسطين كصفقة استعمارية بين القوى العظمى وقتئذ لاسيما بريطانيا، بدأ ككيان متّحد مغتصِب للأرض والعرض، منتهجا كل أساليب الإرهاب الدولي والعصابات: كيان تأسس على خرافة دينية و”وعد” مكذوب لشعب “مختار”: هذه الايدولوجيا الدينية التي اتَّحد حولها شتات اليهود في كل بقاع العالم بدءا من ألمانيا الهتلرية، التي حوّلت المحرقة إلى سلاح سيكولوجي سياسي فعال لتوحيد اليهودية بكل أطيافها فيما خلا بعض الطوائف التي لا تزال إلى اليوم تعارض إنشاء وطن ودولة قومية لليهود في فلسطين كونها ترى أن سبب هلاك اليهود هو تجمُّعهم في دولة كما حدث معهم في واقعة السبي الأولى على يد الملك البابلي “نبوخد نُصّر”، ثم في عهد الإمبراطور الروماني “تيتوس”.

يبدو اليوم، أن النهاية تقترب عقاربُ ساعتها، وكل المؤشرات تشير إلى ذلك، حتى في أوساط الكيان وخاصة الفصيلين اليهوديين: المتدينون التقليديون، والتيار الصهيوني الإنجيلي: إنهم يحضرون بكل عزم ليوم إعادة بناء الهيكل المزعوم وإكمال الدورة اليهودية المزعومة التي لم يبق لها إلا ذبح القرابين على قبة الصخرة، التي يرون أنها عنوانٌ لـ”العقد مع الإله”.

المساس بالقدس والصخرة المقدسة، هو ما سيفجِّر الكيان أشتاتا من جديد وإلى الأبد كما ترويها كل الأسانيد وحتى عرّافوهم التوراتيون، وكما يعبِّر عنها الأعشى:

كناطح صخرة يوما ليوهنها… فلم يضرها، وأوهن قرنه الوعل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!