الشروق العربي

أين تذهب مآسيهم وأحزانهم؟.. الرجال لا يبكون ولا يحدثون بمشاعرهم

نسيبة علال
  • 1068
  • 1

عكس المرأة التي تذرف الدموع سريعا عند تأثرها بحدث محزن أو حتى سعيد، فقلما نرى الرجال يبكون أو يظهرون حزنهم وتأثرهم، حتى اعتقد معشر النساء في الكثير من الأحيان، أن الجنس الآخر لا يملكون مشاعر مثلهن، ويتساءلن عن سر قدرة غالبية الرجال على كتمان مآسيهم وأحزانهم، وعن الطرق التي ينفسون بها عن أنفسهم، دون أن يعلم بهم أحد..

“لا تبك كالنساء”

هناك، ولابد، عوامل فيزيولوجية، تمنع الرجل من البكاء وإظهار مشاعره السلبية، حيث أثبتت دراسات أن هرمونات، على غرار التستوستيرون الذكري، تحول دون تحفيز دموعه، لكن العامل الأهم يتعلق بالثقافة والموروث الاجتماعي، الذي يغرس في الأفراد فكرة أن البكاء من الضعف، والضعف مرتبط بالنساء فقط.. فنحن نعيش في مجتمع إذا بكى فيه الطفل، أسكته الجميع ووصفوا فعله بالعار، فلا يجب أن يبكي الرجال مثل النساء، وإنما عليهم البحث عن حلول ومخارج للأزمات أو تجاوزها بسرعة دون التوقف عندها.. منطق ربما أضاف قوة وحنكة للكثير من الرجال، لكنه في المقابل، أضعف نفسياتهم وأتعبها. يقول صهيب: “مررت بمآسي كثيرة ومتتالية، كتمت فيها بكائي وتألمت بصمت، حتى يصيبني المرض، كانت طريقة جسمي للتعبير عن تعبه وحزنه، وعندما وعيت على الناس تتعاطف معي لأني مريض، أدركت كم أننا مجتمع غير طبيعي، إذا بكى فيه الرجل قهر وذمه الناس، ومنعوه من إظهار ضعفه في تلك المرحلة، لكنه يستعطفهم إذا مرض من قهره وكتمانه”.

التعبير عن الحزن انتقاص رجولة موروثات اجتماعية بالية

الملاحظ، أن الرجل وخاصة الشرقي، لا يمكن أن يطلب المساعدة من أحد، ذكرا أو أنثى، عندما يمر بفترات حزن أو أسى، ويفضل أن يحتفظ بذلك لنفسه لعدة اعتبارات، يترجمها الخبير الاجتماعي لزهر زين الدين، على أنها يمكن أن: “تشعره بانتقاص في رجولته، فهو لا يحب أن يبدو ضعيفا أمام أي كان، ولا منهزما أمام أي شعور أو موقف يمر به، ولعل عزوف الرجل عن زيارة المصحات النفسية- إلا في حال الأمراض والاضطرابات المستعصية، مقارنة بإقبال السيدات عليها- لخير دليل على أنه يرفض أي مساعدة مهما كانت لتخطي حزنه ويعتبرها ضعفا”، وفي السياق، تشير الأخصائية النفسية، نادية جوادي، إلى أن هذا يعد من الأسباب التي ترفع نسب الرجال المصابين بالجنون والاضطرابات النفسية الحادة، الذين يقضون جراء أزمات قلبية، لكونهم يملكون القدرة على كتمان أحزانهم لمدة أطول بكثير، ما لا تتحمله أجسامهم أحيانا، منذرة بخلل أو مرض ما.

إذا، كيف يحزن الرجال؟

فيما تعتبر المرأة كائنا عاطفيا، يحتاج الرجل خاصة المسؤول عن أسرته لأن يتحلى بالكثير من العقلانية في التعامل مع قضاياه، حتى يتسنى له حلها أو تجاوزها، وهذا ليظل محافظا على مكانته ومنصب قوته كرب أسرة وسند لبقية الأفراد. لهذا، فإننا عادة ما لا نرى الآباء ينتكسون أو يبكون وينتحبون، وإنما لهؤلاء طرقهم في التعبير عن غضبهم الشديد أو حزنهم وخيباتهم، بحسب شخصية كل منهم، إذ تعتبر العزلة والانطوائية واحدة من هذه الوسائل، فيما يصرخ آخرون وينفجرون على أتفه الأسباب وربما يسببون خسائر مادية من خلال التخريب وكسر الأغراض في سياق آخر، أي لسبب واه أحيانا، ومع أن هذا النوع الأخير منبوذ اجتماعيا لعصبيته، إلا أن الأخصائية في علم النفس، نادية جوادي، تؤكد: “أنهم الأفضل لأنفسهم، فهم يفرجون عن المشاكل السلبية ولو بطرق سلبية، أما أولائك الذين يفضلون الصمت والعزلة فيجدون أنفسهم يصارعون الاكتئاب والمزيد من الحزن وتنطفئ أحاسيسهم تدريجيا ليصابوا بالبرود”.

مقالات ذات صلة