-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين نحن في معركتنا الأبدية؟ (1/ 2)

سلطان بركاني
  • 592
  • 0
أين نحن في معركتنا الأبدية؟ (1/ 2)

رحلت عشر ذي الحجّة، وتبعتها أيام التشريق، وانقضى الشّطر الأوّل من شهر ذي الحجّة الحرام، وبدأ حجيج بيت الله الحرام يتأهّبون لمغادرة تلك البقاع الطّاهرة بعد أن عاشوا شهرا في رحاب مدرسة الحجّ التي ختموها بدرس غاية في الأهمية يتعلّق برمي الجمرات في أيام التشريق؛ هذا النّسك الذي يتكرّر أربعة أيام متوالية (يوم الأضحى وأيام التشريق الثلاثة) دلالة على أهميته وضرورة اهتمام الحجّاج به ليظلّ راسخا في أذهانهم ماثلا في حياتهم.

في أيام التشريق يتذكّر الحجّاج -وهم يرمون الجمرات- ويتذكّر معهم المسلمون في أرض الله الواسعة، قصّة الصّراع الأبديّ بين الشّيطان والإنسان، ويتذكّرون المعركة التي فرضت عليهم مع عدوّ الرّحمن، ويتساءلون: أين بلغنا من هذه المعركة؟ عدونا الشيطان قد بدأنا بالعداوة، وأقسم على الله أن يأخذنا معه إلى جهنّم، فماذا عنّا نحن؟ هل نبادله العداوة؟ هل نحرص على مخالفة أمره؟ هل نحرص على فعل ما يكرهه واجتناب ما يحبّه؟

والله إنّه لواقع مؤسف غاية الأسف أن تقرّ عين إبليس ويفرح بحال كثير منّا وهو يراهم قد نسوا معركتهم معه فأطاعوه وأرخوا له أسماعهم، وما عادوا يخالفون له أمرا إلا قليلا! نعم مطلوب منّا أن نلعن إبليس ونستعيذ بالله منه، لكن هل نلعنه في الواقع بأعمالنا؟ هل نخزيه بالحرص على ما يرضي الله؟ مطلوب من كلّ واحد منّا أن يتساءل عن حال قرينه الشّيطان: هل هو في أحسن أحواله، أم إنّه في أسوأ حالاته؟ هل هو فرح مسرور بصاحبه؟ أم تراه مغموم كئيب حزين؟ ورد في الحديث أنّ “العبد المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السّفر”.. شيطان العبد المؤمن هزيل دائم الهمّ والغمّ والحسرة، لكنّ شيطان العبد الغافل سمين دائم الفرح والسّرور! فيا ترى ما هي حال شيطانك أخي المؤمن؟

لقد أوصانا ربّنا -تبارك وتعالى- في محكم كتابه بأن نخالف الشّيطان ونحذره على أنفسنا، فقال تعالى: ((يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ) [فاطر:5، 6]، وأوصانا الشفيع الشفيق -صلّى الله عليه وسلّم- في حجّة الوداع في أكبر تجمّع للمسلمين بأن نحذر الشّيطان على ديننا فقال: “إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ”.

فهل حفظنا وصية ربّنا جلّ وعلا؟ وهل حفظنا وصية شفيعنا عليه الصّلاة والسّلام؟ واقعنا يدلّ على أنّ كثيرا منّا قد أصبحوا طوع أمر الشّيطان، يأتمرون بأمره وينتهون ينهيه، ولا يكادون يخالفون له أمرا أو يرفضون له طلبا.. ولنقف مع أمثلة من واقعنا تدلّ على أنّنا كثيرا ما ننسى عداوة الشّيطان وننسى معركتنا معها:

الشيطان يحبّ أن يفرّق بين المرء وزوجه؛ فهل خالفناه؟ واقعنا يدلّ على أنّنا أطعنا الشّيطان فصارت بيوتنا -خاصّة بيوت الجيل من الشّباب- تبنى على شفا جرف هار، يتزوّجون في الصّيف ويطلّقون في الخريف! حالات الطلاق التي تحصيها المحاكم تجاوز تعدادها 90 ألف حالة خلال عام واحد.. الخصومات لا تكاد تنتهي في البيوت لأسباب جدّ تافهة: “فلانة اشترى لها زوجها وأنت لم تشتر لي، فلانة يتركها زوجها تذهب حيث تشاء وأنت قد سجنتني في البيت.. أمك قالت، وأختك فعلت، وأولاد أخيك ضربوا أولادي…”!

الشيطان يحبّ للأخ أن يعادي أخاه، فهل عصيناه وخالفناه أم إنّنا وافقناه وأطعناه؟ واقعنا يدلّ على أنّنا أطعنا الشيطان، حين أصبح الأخ يعادي أخاه لأجل متر من الأرض أو باب أو نافذة. أو لأجل خلاف بين الزوجات أو شجار بين الأبناء.. حين أصبح الأخ يهجر أخاه ابن أبيه وأمّه لأجل موقف تافه نفخ فيه الشّيطان.

الشّيطان يحبّ لنا أن ننام عن الصّلاة، ويأتي أحدنا إن هو وضع رأسه على الوسادة فيقول: “نم فأمامك ليل طويل”، ويأمرنا بأن نترك الصلاة لأجل مشاغل الدّنيا ويقول لنا: “العمل عبادة”؛ فهل أطعنا الشيطان أم خالفناه؟ واقعنا يدلّ على أنّنا نسمع لكلامه ونصيحته ولا نسمع لنداء “الله أكبر”، فنصبح نياما عن الصّلاة كأنّنا غير معنيين بنداء المؤذّن: “الصّلاة خير من النّوم”، حتى في صبيحة الجمعة التي تصبح فيها كلّ المخلوقات خائفة وجِلة من قيام السّاعة، يصبح أكثرنا نائمين قد بال الشّيطان في آذانهم وسخر منهم!

الشّيطان يحبّ لنا أن ننفق أموالنا في المباهاة وعلى الكماليات ونبخل بها عن الصّدقات، يشجّعنا عندما ننفق أموالنا في الحرام وفي الكماليات، ويخوّفنا من نقص أموالنا ومن الفقر عندما نُدعى لبناء بيوت الله وإعانة المحتاجين والمرضى الذين يحتاجون إلى العمليات، ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ))؛ فهل أطعناه أم خالفناه؟ لينظر كلّ واحد منّا كم ينفق كلّ أسبوع في الكماليات وكم ينفق من ينفق على الدخان والسجائر، وكم ننفق في كماليات وبهارج الأعراس… ولْنقارن كلّ ذلك بما ننفقه في وجوه الخير والبرّ.. عندما يريد الواحد منّا أن يضع صدقة في كيس الصّدقات يوم الجمعة يختار قطعة نقدية صغيرة، لكنّه عندما يجلس مع أصحابه في المقهى فإنّه يظهر سخاءً لا نظير له.. عندما يغلب نفسه فيتصدّق على مسكين فإنّه يرى 200 دينار مبلغا كبيرا، لكنّه عندما يبارك لصديق في زواجه أو زواج ابنه فإنّه يخرج ورقة 2000 دج، وقد يعطيها رياءً وسمعة!

الشّيطان يحبّ للمرأة أن تخرج من بيتها متبرّجة بزينة، ويظلّ يزيّن لها المظاهر الفانية ويقارن لها مظهرها بمظاهر الصديقات والجارات، حتى تتبرّج وتتعرّى أكثر، ويأتي المؤمنة فيوسوس لها بأنّها إن لم تخفّف من حجابها وتصبغ وجهها وتلبس الضيّق فإنّه لن ينظر إليها أحد ولن تتزوّج؟ فكم من امرأة سمعت لوحي الشّيطان وخالفت أمر الرّحمن: ((يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ))؟

الشّيطان يحبّ للعبد المؤمن أن يتخلّى عن إيمانه بالله وبِحفظه وستره وحكمته في عطائه ومنعه، ويتعلّق بالأسباب المادية، وربّما يسوّل له اللجوء إلى الأسباب المحرّمة ليصل إلى مراده، فيعطي الرشوة والربا ويتوسّط بآكلي الحرام وأصحاب البطون المنتفخة ليحقّق مراده، فهل خالفنا الشّيطان في مراده ووساوسه، أم إنّنا أصبحنا نؤمن فقط بما تراه أعيننا وننسى الغيب؟

الشّيطان يحاول جاهدا أن يوقع العبد في الشّرك والكفر، ويتدرّج به خطوة خطوة حتّى يوصله إلى ما به يحبط عمله ويخلد في النّار، وربّما لا ينتبه العبد حتّى يتحلّل من دينه وهو لا يشعر! ((كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِين)).. ولْنأخذ مثالا على ذلك: كيف انتشر السّحر في أوساط المسلمين وأصبح وسيلة يلجأ إليها المسلم ليلحق الضّرر بأخيه المسلم؟ وكم في البيوت من الزّوجات من يحترفن السّحر ويتردّدن على أبواب السحرة ووصلن بهنّ الأمر إلى الردّة عن دين الله، وأزواجهنّ لا جرة لا خبر! ((وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ))؟

الشّيطان يحبّ للمسلم أن يطلق لسانه بالحديث عن إخوانه غيبة وتحقيرا وبهتا، ليخسر حسناته كلّها.. يصلي في المسجد ويتطوّع بالصيام ويتلو القرآن ويعتمر، لكنّه يخسر حسناته بغيبة إخوانه المسلمين، وكم أطعنا الشّيطان في هذا وعصينا الرّحمن الذي أوصانا قائلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ))!

الشّيطان يحب للعبد أن يطلق العنان لبصره بالنّظر إلى العورات حتى يظلم قلبه ويسوّد ويقسو عن ذكر الله، وحتى يحرَم يوم القيامة لذّة النّظر إلى وجه الله الكريم.. وقد فتح لكثير من المسلمين في هذا الزّمان باب فتنة عظيما بإطلاق النّظر إلى ما حرّم الله، ليس في الشّارع فحسب، إنّما في الهاتف على مواقع العبث وإشاعة الشهوات.. فلماذا أطعنا الشّيطان فسخّرنا نعمة البصر فيما حرّم الله ونسينا أمر ربّنا: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون)).

الشّيطان يحبّ لنا أن نعقّ والدينا فنتأفّف منهم وننهرهم ونشمئزّ من كلماتهم ونستعجل رحيلهم عن الدّنيا، وينسينا بأنّ الوالد باب إلى الجنّة والوالدة تحت قدميها الجنّة، وقد أطعناه مع كلّ أسف إلا من رحم الله منّا، وأصبحت حال كثير منّا كما قال الله: ((وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)).

يتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!