-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين نحن من معركتنا الأبدية؟ (2/ 2)

سلطان بركاني
  • 416
  • 0
أين نحن من معركتنا الأبدية؟ (2/ 2)

إنّه لأمر مؤسف حقا أن نستسلم للشّيطان، ونخسر معركتنا معه وتقرّ عينه بحالنا، وهو يرانا نخالف وصية ربّنا، ويرانا نطيع أمره وننساق لوساوسه ونتبع خطواته، وننسى العهد الذي أخذه في بداية الخلق على أن يقودنا معه إلى جهنّم: ((قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)) [ص:71-85].

أمر مؤسف حقا أن ننسى وصية الرحمن الرحيم بأن لا نثق بالشيطان وذريته وأعوانه وأتباعه ولا نتّخذهم أولياء، ولا ننساق لنزغات الشيطان ووساوسه: ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)).. ووالله لو لم يكن في القرآن غير هذه الآية في عتاب من يثق بالشّيطان ويركن إليه، لكفاها.

إنّها الخسارة العظمى والخزي الأكبر أن يأتي العبد يوم القيامة يساق ذليلا مهينا خلف قرينه الشّيطان إلى جهنّم: (((وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)).

ويبلغ الخزي منتهاه وتبلغ الحسرة مداها عندما يقوم إبليس خطيبا في جهنّم أمام من أطاعوه واتبعوه: ((وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)).. عند ذاك يأتي تقريع المولى -سبحانه- لمن أطاعوا الشيطان واتبعوه: ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)).

ربّما يغفل العبد وينسى وتضعف نفسه، لكنّ العبد المؤمن إذا تذكّر سارع إلى البراءة من الشيطان والتوبة إلى مولاه وإلى تصحيح خطئه، كما قال تعالى: ((إِنَّ الذِينَ اتقوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) [الأعراف: 201].. أمّا العبد الغافل فإنّه يصرّ على خطئه ويبقى رهينا لأمر الشيطان، ينقله من معصية إلى أخرى، حتى يصل به إلى الكبائر، وربّما يصل به إلى التحلّل من الدّين، عياذا بالله.

العبد المؤمن لا ينسى معركته مع الشّيطان، ولا يقبل لنفسه أن تكون ألعوبة لعدوّ الرّحمن، لذلك فإنّه يسارع إلى التوبة والأوبة والاستغفار كلّما أغراه الشّيطان: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)).

العبد المؤمن دائم التوكّل على الله دائم الاستعانة بمولاه على الشّيطان وجنده وأتباعه، لأنّه يقرأ قول الله تعالى: ((إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُون)).. وكلّما أحسّ بوساوس الشّيطان تختلجه وأحسّ بالشّيطان بدأ يخالط نفسه، سارع إلى الاستعاذة بالله من الشّيطان، ممتثلا أمر الله: ((وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَاِن نَزْغٌ فَاْستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيم)).

إنّنا يجب ألا ننسى معركتنا مع الشّيطان، لأنّنا إن نسيناها فهو لا ينساها أبدا.. موسم الحجّ وما بعده فرصة سانحة لنراجع حالنا مع هذه المعركة، وينظر كلّ واحد منّا أين بلغ منها، ويَزن شيطانه بالنظر إلى حاله، فإن كان سريعا إلى طاعة الله بطيئا في معصيته، فشيطانه ضعيف هزيل حزين، وإن كان العبد بطيئا متثاقلا في طاعة الله، سريعا منتشيا فرحا بمعصية الله فليعلم أنّ شيطانه منتفخ فرح مسرور به، وليسارع إلى إصلاح حاله قبل أن يموت على تلك الحال ويكون ممّن يخطب فيهم إبليس في جهنّم!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!