-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أي رئيس تحتاج الجزائر حاليّا؟

أي رئيس تحتاج الجزائر حاليّا؟

هناك شبه إجماع بين الفاعلين السياسيين، على اختلاف مواقعهم الرسمية أو الحزبية، والمراقبين على سواء، بخصوص الرهانات الوطنية الكبرى اليوم في الجزائر، وكذا الظروف الإقليمية الحرجة جدا، زيادة على السياق الدولي المضطرب.
كما أن الجزائر قطعت شوطا كبيرا منذ 2020 على طريق الاستقرار المؤسساتي والسياسي والنمو الاقتصادي والاجتماعي، بعدما ترنّحت عقب حراك فبراير 2019 في منعرج الخطر، بين المجهول الانتقالي والمسار الدستوري على كل مساوئه التنظيميّة الظرفيّة، فقد كان الخيار الأسلم نحو الآمان الوطني.
وبعدما عشنا حالة شبيهة بالتفكك في ظل هيمنة “القوى غير الدستورية”، وما نجم عنها من تآكل كيان الدولة المؤسساتي والقانوني لصالح الزّمر و”لوبيات” المال والفساد، ها هي اليوم الدولة استرجعت سلطتها العامّة في الداخل، ما يؤدي تدريجيًّا لاستعادة الثقة في النفس والقدرة على الاستئناف والبناء الوطني على كافة المستويات، والمؤشرات التنموية تعكس ما تمّ تحقيقه على صعيد الإنجاز الاقتصادي.
أما في المستوى الخارجي، فقد عادت بلادنا بصوتها القويّ في محافل القضايا العادلة، وعلى رأسها دعم القضية الفلسطينية، وكذا الملفات الإقليمية ذات التأثير المباشرة على الأمن القومي الوطني.
لا ينكر عاقلٌ، مهما كانت الانتقادات الموجهة للأداء أحيانًا، أن أشياء كثيرة تغيرت في الجزائر بصورة إيجابية، خاصة ما تعلّق بفرض منطق المحاسبة وإعلاء صوت القانون والعدالة وتعديل الذهنيّات المتكلّسة في الخدمة العمومية، بفضل مسار الرقمنة الذي يشقّ طريقه بسرعة في كل القطاعات، والتوجّه الجادّ نحو تفعيل الاقتصاد العصري المبني على التنوع والتوازن، للتخلّص من قبضة الريع النفطي، وهو ما يتجلى حاليّا في الدفع بالصادرات خارج المحروقات وتحفيز الزراعات الاستراتيجية للانتقال نحو ضمان الأمن الغذائي، إضافة إلى الأرقام الواعدة ضمن المشاريع المسجلة للاستثمار الوطني والأجنبي.
لكن مقابل ذلك، برز معطى إقليمي خطير على بلادنا خلال السنوات الأخيرة، يتعلق بتقدم التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني نحو العمق، بكل ما يحمله من مخاطر أمنية فعليّة على المنطقة، وقد واجهته الجزائر من جهتها بالتكتل المغاربي مع تونس وليبيا كآلية ثلاثية للتنسيق والتعاون، على أمل انخراط نواكشوط في المسار الجديد.
إن تلك المعطيات المهمة تضع الاستحقاق الرئاسي المقبل في سياق جد خاصّ من زاويتين على الأقل، الأولى مسؤولية الحفاظ على المكاسب المنجزة حتى الآن، والثانية ترتبط بمراعاة طبيعة التحديات الإقليميّة المحيطة بالمصلحة الوطنية العليا.
وهذا ما يستوجب بصفة تلقائيّة، بغض النظر عن الأسماء والأشخاص، أن يكون رئيس الجمهورية المتوّج في 7 سبتمبر القادم بوزن ثقيل يستجيب لشَرطيْ صيانة المكاسب ومُغالبة الرهانات في آن واحد.
بمعنى آخر، لا مفرّ، في السياق الحالي لبلادنا، من تمتّع رئيس الجمهورية بـ”كاريزما” وطنية قويّة، ورؤية ثاقبة مجسدة في برنامج واقعي، وتأييد شعبي جد واسع، وانسجام كامل مع أجهزة الدولة، لأن حساسيّة الأوضاع لا تسمح بالمغامرات العاطفيّة ولا التهوّر السياسيّ، إن على مستوى الفعل أو حتّى بخطاب المزايدات الفارغة، بل تستدعي رصّ الصفوف وتقوية اللحمة الوطنية بين الجزائريين على تنوع أفكارهم ومشاربهم وخياراتهم الانتخابية.
لذلك ينبغي أن يتأسس المشهد الانتخابي القادم على تحالفات قويّة تضمن للمرشحين حزامات حزبية وبرلمانية وشعبية صلبة، تتيح لهم، في حال الفوز، تطبيق البرنامج الانتخابي بسند قويّ، يمكّنهم داخليّا من تمرير الإصلاحات بسلاسة، كما يحصّن الدولة خارجيًّا من الابتزاز الدولي باسم الشرعيّة الانتخابيّة.
لقد برز حتى الآن تحالفان مهمّان، الأول باسم “تكتل الاستقرار والإصلاح” الداعم للوزير السابق، بلقاسم ساحلي، والثاني باسم الأغلبية البرلمانية الرئاسية، والذي يدعم تلقائيًّا الرئيس عبد المجيد تبون لاستكمال عهدة ثانية، في انتظار ظهور ربّما تكتلات أخرى، أما تقدّم رؤساء الأحزاب بصفة منفردة، مع كامل الاحترام للأشخاص، فتبقى خيارات مبنيّة في نهاية المطاف على حسابات التموقع والكسب السياسي وليس على التنافس الرئاسي، لأن إمكانات الأحزاب الجزائرية بدون استثناء لا تؤهلها حاليّا للمنافسة على كرسي القاضي الأول في البلاد، بغض النظر عن الأسباب الذاتية والموضوعيّة.
يبقى من الشروط المهمة لتقوية شرعيّة الفائز بالرئاسيات المقبلة أن تجري في ظروف تنافسية عالية الشفافية، عن طريق حماية الصناديق من التوجيه، لأن زمن التلاعب بالأصوات قد ولّى في الجزائر، مع الحياد المطلق للسلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات في أداء مهامها الدستورية والقانونيّة، وفتح المجال العام بلا تمييز، خاصة بالنسبة لوسائل الإعلام بكل أشكالها، وعدم استخدام الوسائل العمومية في الحملة الانتخابيّة لصالح أيّ مترشح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!