-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أي مصير للصغار عند صراع الكبار؟

أي مصير للصغار عند صراع الكبار؟

بَيَّنت الحرب الروسية ـ الأوكرانية حجم الدول المختلفة وطبيعة الصراع وحَمَلت لحد الآن بعض إشاراته المستقبلية. لقد بدا بالفعل أن اللعب في هذه الحرب هو بين الكبار ومع الكبار. التدخلات بملايير الدولارات والخسائر بعشرات الملايير. أرقام لا قِبل للدول الصغرى والمتوسطة بها. والأعمال العسكرية تتشابك فيها جميع عناصر القوة التي يمكن للعقل البشري توقعها: العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية والاستخباراتية والإعلامية وتلك المتعلقة بالحرب الإلكترونية وحتى بالصراع على الفضاء… لقد بَيَّنت هذه الحرب حدود الدول الصغرى وحجمها في النظام العالمي إلى حد كبير، وأنه عليها مراجعة كافة سياساتها من الآن فصاعدا. قد يتم إقحامها في الصراع خارج نطاق رغبتها وقد تدفع ثمن صراع الكبار شاءت أم أبت. ولهذا فإن مثل هذه الدول في حاجة إلى إعادة النظر في قدراتها وإمكاناتها ودورها وتحالفاتها واقتصادها ودرجة تبعيتها إن لم نقل إعادة مراجعة كلية لسياساتها الداخلية والخارجية بهدف البقاء في مرحلة أولى، ثم إمكانية لعب دور إيجابي في هذا العالم المتقلِّب والذي لم يعد يرحم أحدا.

ولعل اهتمام القوى الكبرى بهذه الدول الصغرى، يُعَدُّ في ذات الوقت مفارقة وفرصة لصناعة دور لها حتى وإن كان محدودا في الزمان والمكان. مفارقة لأن القوى الكبرى رغم كل ما تملك من إمكانيات مادية ومالية وعسكرية إنما تحاول منع غريمتها من أي مكاسب مهما كانت ضئيلة سواء أكانت مادية أو مالية أو عسكرية أو سياسية. وفرصة لأنها إذا ما تمكنت من إيجاد المخرج الملائم للتعامل مع الكبار يمكنها الخروج بأرباح اقتصادية وسياسية تساعدها على تعزيز مكانتها ودورها في المنطقة التي تنتمي إليها.

لقد بلغت تجارة الصين مع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي ما قيمته 137 مليار دولار، ومع الولايات المتحدة الأمريكية 123 مليار دولار، ولم تزد عن 26.4 مليار دولار مع روسيا (رويترز للأنباء)، فهل للصين أن تتخذ موقفا صريحا مع روسيا ضد التحالف الغربي وتفقد مصالحها الكبيرة؟ وكيف تتصرف في ظل تطلعها للخروج من هيمنة الدولار في أقرب الآجال وهي القوة الاقتصادية الأولى في العالم؟

إنها لحد الآن تتصرف بحذر مع الغرب. رفعت نسبة تعاملاتها بالإيوان مع روسيا من  2٪ سنة 2013 إلى أكثر من  ٪  25 السنة الماضية، وتجري مفاوضات الآن مع كل من المملكة العربية السعودية والهند للقيام بذات الشيء… وكذلك تفعل روسيا مع شركائها الأساسيين للتعامل بالروبل. ولا شك أن باقي الدول ذات العملات المتعامل بها في التجارة الدولية (اليورو، الإسترليني، الين الياباني) ستسعى لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي المقبل على حساب الدولار رغم  الالتفاف المؤقت حول ريادة الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة روسيا…

ماذا نقول نحن في ظل هذه الأوضاع حيث تبدو مداخيلنا ضعيفة وقدراتنا على المواجهة محدودة؟

يبدو لي أن الغرب كما الشرق لا يستهينان بأي دولة وأي إقليم، مهما كانت مقدراته الاقتصادية ودوره، إنهما يقيمان سياستهما على مبدأ ضرورة التحكم في كافة المتغيرات بغض النظر عن وزنها. وقد بدا ذلك جليا من خلال تتابع الزيارات من أعلى مستوى لبلادنا، وعلينا التصرف بعقلانية في هذا الظرف بالذات آخذين بعين الاعتبار أن الغرب مهما كانت نوعية علاقتنا معه الماضية والحاضرة يسير نحو التراجع، والشرق يتجه نحو الصعود، وعلينا تفادي انتقام النازلين وفي ذات الوقت عدم تفويت فرصة وضع قدم في عالم الأقوياء الصاعدين…

إنها معادلة صعبة ولكنها قابلة للتحقيق وحاملة معها لبوادر أمل…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!