-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إذا كانت الولايات المتحدة لا تدري.. فمَن يدري؟

إذا كانت الولايات المتحدة لا تدري.. فمَن يدري؟

تطرح عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنظيم تجمع اقتصادي جهوي في آسيا والمحيط الهادئ سؤالا جوهريا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات أم أشخاص أم لوبيهات؟ وحول ما إذا كان اعتبارنا إياها أنموذجا في العالم للدولة المعاصرة أصبح وهما وينبغي مراجعته؟

قام الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في أول يوم من دخوله البيت الأبيض سنة 2017 بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ  TPPمعتبرا إياها مجرد مضيعة للوقت. وبعد أقل من 6 سنوات ينتقل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” يوم 23 من الشهر الجاري إلى جنوب شرقي آسيا ليعلن تأسيس تجمع اقتصادي شبيه لذلك الذي خرج منه سلفه “ترامب” سمّاه: “إطار الازدهار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادي IPEF” في محاولة أخرى لمحاصرة الصين اقتصاديا.

ومعلومٌ أن هذه الأخيرة كانت قد أقامتطرحت سنة 2020 مع شركائها الآسيويين تكتلا اقتصاديا عُرف بالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة  RCEPضم 15 دولة. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت أخيرا أنه بانسحابها من “اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي” قد تركت المجال للصين تقود آسيا كما تشاء. وها هي الحرب في أوكرانيا، تُعيد تغيير حسابات موازين القوى الاقتصادية والعسكرية. وتكتشف الولايات المتحدة أخيرا أنها أخطأت الانسحاب من أحد التكتلات الاقتصادية المهمة سنة 2017. ولعل هذا ما يجعلنا نعيد طرح المسألة التي لطالما حكمت الفكر السياسي المعاصر، كون الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات وليست دولة أفراد وجماعات ضغط. كما يجعلنا نعيد النظر فيما إذا كانت أكبر دول في العالم تملك بحق رؤية استشرافية للخمسين سنة القادمة كما كُنا نُعلِّم طلبتنا ذلك باندهاش منقطع النظير؟ ولعلَّنا أيضا سنسأل فيما إذا كان أكبر بلد يملك مراكز تفكير ومؤسسات بحثية وأكبر أجهزة استخبارات في المجال الاقتصادي، هو بالفعل كذلك؟

والأمر الأكثر أهمية أن نطرح سؤالا مركزيا: مَن يتحكم في قيادة العالم بالفعل؟

إن الصين إلى حد الآن تبدو أكثر قدرة على الاستشراف، بل إن روسيا تبدو قد خرجت من حالة ردَّة الفعل التي كانت تحكم سياساتها في العقود الماضية إلى حالة استباق واستحداث الفعل. لقد استحدثت واقعا جديدا في أوكرانيا وتركت الغرب في موضِعَ ردّة الفعل، وبخاصة أوروبا التي باتت اليوم في حالة ردّة فعل مزدوجة، الأولى نتيجة الفعل الروسي، والثانية نتيجة الفعل الأمريكي.

وإذا علمنا أن هذا الأخير لم يعد يتحكم في زمام الأمور وأصبح يتصرف نتيجة أفعال حقيقية تقوم بها الصين وروسيا، فإنه سيتبين لنا حجم وطبيعة التحول الذي يعرفه العالم.

إن قراءة سريعة في قائمة الدول التي انتقلت من تكتل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بقيادة الصين في ظرف أقلِّ من سنتين تُبيِّن لنا الطبيعة الهشَّة التي تعرفها معظم دول العالم. ما الذي يجعل دولا مثل استراليا واليابان ونيوزلندا وسنغافورة وفيتنام، حتى لا نذكر إلا هؤلاء، تتحول من كتلة الصين إلى كتلة الولايات المتحدة في هذا الظرف القصير؟ بل وهل خرجت بالفعل من الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة لصالح الإطار الأمريكي الجديد؟ أم هي تناور على الحبلين؟

تبدو هذه الحقائق غير منطقية تماما بحسابات ما قبل عشرين سنة من اليوم، ولا يُمكن التفكير فيها بحسابات مرحلة الحرب الباردة، أما بحسابات هذا العقد الأخير، فإن اللامعقول أصبح معقولا، ويمكننا أن ننتظر كل شيء من أي طرف.

إذا كانت الولايات المتحدة لا تدري، فمَن يدري إذن؟ وهل نلوم دولنا التي مازالت تفتقر إلى كثير من مقوِّمات الدولة إذا ما ترددت أو غيَّرت موقفها؟ لقد بات العالم اليوم غير مستقرّ تماما. ويبدو أنه سيعرف اضطرابا أكثر فيما قدِم من السنوات. فليكن شعارنا: الاستعداد والإعداد والاعتماد على الذات قبل أي أمر آخر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!