الرأي

إضراب‮ ‬عن‮ ‬الابتسام

قضى الله – العليم الحكيم – أن يكون الإسلام كما أنزله على قلب سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام- هو آخر رسالاته إلى الناس أجمعين، ولهذا أكمله، وأتم به نعمته، ورضيه للناس، لأن فيه ما يسعدهم في الدنيا، ويجعلهم في الآخرة – إن اعتصموا به، واهتدوا بهديه – من المفتحين‮..‬

 

ومن مبادئ هذا الدين الإسلامي الحنيف أنه لا يغلق المجال في وجه المسلم، ولكنه يفتح أمامه الآفاق فيؤثر فيما حوله، ويتأثر بما حوله. ومن تلك المبادئ الرائعة أنه يربي المسلمين على نشدان الحكمة وطلبها – دون حرج – من أي كان، بشرط أن لا تناقض تلك “الحكمة” عقيدتنا، أو‮ ‬عبادتنا،‮ ‬أو‮ ‬شريعتنا،‮ ‬أو‮ ‬أخلاقنا‮.. ‬والحقيقة‮ ‬هي‮ ‬أنها‮ ‬لو‮ ‬ناقضت‮ ‬شيئا‮ ‬من‮ ‬ذلك‮ ‬لما‮ ‬كانت‮ ‬حكمة‮.. ‬لأن‮ ‬الإسلام‮ ‬هو‮ ‬لب‮ ‬الحكمة‮ ‬وجوهرها‮.. ‬وذلك‮ ‬هو‮ ‬تقدير‮ ‬العزيز‮ ‬العليم‮..‬

يحرص‮ ‬الإسلام‮ ‬أشد‮ ‬الحرص‮ ‬على‮ ‬أن‮ ‬يأخذ‮ ‬كل‮ ‬إنسان‮ ‬حقه‮ ‬كاملا‮ ‬غير‮ ‬منقوص‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬يؤدي‮ ‬واجبه‮ ‬كاملا‮ ‬غير‮ ‬منقوص،‮ ‬ومن‮ ‬الناس‮ ‬هذه‮ ‬الفئة‮ ‬التي‮ ‬اصطلح‮ ‬على‭ ‬تسميتها‮ ‬بـ‭ ‬‮”‬العمال‮”‬،‮ ‬وكلنا‮ ‬عمال‮. ‬

أمر‮ ‬الإسلام‮ ‬أن‮ ‬يحسن‮ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‮ ‬العمال،‮ ‬فيعاملوا‮ ‬بكرامة،‮ ‬لأنهم‮ ‬من‮ ‬بني‮ ‬آدم‮ ‬الذين‮ ‬كرمهم‮ ‬الله‮ – ‬عز‮ ‬وجل‮ -‬

وشدد على أن يسرع في إعطائهم أجورهم، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف: “اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”، وهذا القول لم يقله أي مدّع أو مدعية ممن يزعمون ويزعمن الدفاع عن العمال.. وما هم وهنّ إلا متاجرين ومتاجرات بهؤلاء العمال. ولو كان أصحاب “السانديكا” على‮ ‬شيء‮ ‬لكتبوا‮ ‬هذا‮ ‬الحديث‮ ‬النبوي‮ ‬الشريف‮ ‬في‮ ‬أعلى‮ ‬مبنى‮ ‬الاتحاد‮ ‬العام‮ ‬للعمال‮ ‬الجزائريين‮ ‬بدل‮ ‬تلك‮ ‬التماثيل‮ ‬العارية‮ ‬التي‮ ‬تخدش‮ ‬حياء‮ ‬حتى‭ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬حياء‮ ‬لهم‮.‬

من الأساليب التي ابتكرها العمال في شتى أنحاء العالم للمطالبة بما يرونه حقا من حقوقهم أسلوب “الإضراب” عن العمل، الذي يكبد صاحب العمل – عاما أو خاصا – خسائر مالية قد تؤدي إلى إفلاس مؤسسته، مما يضطره إلى فتح حوار مع المضربين، ويفاوضهم حتى يصل الطرفان إلى حل “ما‮ ‬يجوّع‮ ‬الذيب‮ ‬ما‮ ‬يغضّب‮ ‬الراعي‮”.‬

من أجمل ما سمعت في البرنامج الهادف الذي يعدّه ويقدمه أحمد الشقيري تحت عنوان “خواطر” في إحدى الفضائيات أن العمال في مطار سيول في كوريا الجنوبية هددوا المسئولين بالقيام بإضراب لنيل ما يعتبرونه حقا. ولكن الجمال والأدب والحضارة هو في أسلوب الإضراب الذي هددوا باستخدامه‮.. ‬إن‮ ‬هذا‮ ‬الأسلوب‮ ‬ليس‮ ‬هو‮ ‬التوقف‮ ‬عن‮ ‬العمل،‮ ‬أو‮ ‬عرقلة‮ ‬حركة‮ ‬الملاحة‮ ‬الجوية،‮ ‬أو‮ ‬تخريب‮ ‬الأجهزة‮ .. ‬أو‮ .. ‬أو‮ ‬ولكنه‮ ‬هو‮ “‬عدم‮ ‬التبسم‮ ‬في‮ ‬وجوه‮ ‬المسافرين‮”.‬

لقد‮ ‬كادت‮ ‬قلوب‮ ‬المسئولين‮ ‬الكوريين‮ ‬تتوقف‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬التهديد‮ ‬فهرعوا‮ ‬إلى‭ ‬مفاوضة‮ ‬العمال،‮ ‬وتحقيق‮ ‬المعقول‮ ‬من‮ ‬مطالبهم‮ ‬حتى‭ ‬لا‮ ‬يكشروا‮ ‬ويعبسوا‮ ‬في‮ ‬وجوه‮ ‬المسافرين‮ ‬فيكدروا‮ ‬عليهم‮ ‬رحلاتهم‮..‬

إذا كان التبسم عند غيرنا هو”أدب، وظرافة، ولطافة.. ” فهو عندنا من صلب ديننا، نشيع به البهجة في معلاماتنا الدنيوية، ونؤجر عليه في الآخرة، وما أعظم ذكل المتبسم في وجوه الناس – صلى الله عليه وسلم – القائل : “تبسمك في وجه أخيك صدقة: والقائل : “لا تحقرنّ من المعروف‮ ‬شيئا‮ ‬ولو‮ ‬أن‮ ‬تلقى‮ ‬أخاك‮ ‬بوجه‮ ‬طلق‮”. ‬فما‮ ‬أعظم‮ ‬الإسلام‮ ‬وما‮ ‬أصغر‮ ‬أكثر‮ ‬المسلمين‮.‬

مقالات ذات صلة