الرأي

إلى سعادة سفير السعودية

صاحب السعادة،سلام الله وتحياته وبركاته عليك، وتقبل الله صيامنا وقيامنا.إذا كانت الأعراف الدبلوماسية تدعو إلى مخاطبتك بهذه الصيغة باعتبارك سفيرا ممثلا لدولة؛ فإن مبادئ الإسلام التي يجب أن تكون هي الأعلى تجعلك أخا، حيث قضى الله – عز وجل – أن يكون المؤمنون إخوة، وهم أمة واحدة، بصرف النظرعن ألوانهم، وأعراقهم، وألسنتهم، وأمصارهم، وأنهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر.

دعاني إلى كتابة هذه الرسالة المفتوحة إلى سعادتك ذلك الحوار الذي أدليتم به لجريدة “الشروق اليومي”، المنشور في عددها الصادر في يوم الثلاثاء الماضي، حيث وددتُ أن أذكر سعادتك بما كتبته منذ إحدى عشرة سنة في مجلة “فواصل” السعودية، التي استكتبتني -فيمن استكتبت- في عددها الخاص الذي أصدرته بمناسبة مرور عشرين حجة على تولّي الملك فهد بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية.

لقد كتبت ما أعلم أن الله -عز وجل- سائلني عنه يوم آتيه فردا، مجادلا عن نفسي، فلم أحمد الملك فهدا بما لم يفعل، ولم أبخسه حقه.

لقد اقتصرت في ذلك المقال على ذكر منجزات الملك فهد في المجال الديني، وهي منجزات لا مجال لكفرانها حتى من خصوم الملك فهد ومعارضيه من السعوديين وشانئيه من العرب والمسلمين؛ فذكرت التوسعة الكبيرة للحرمين الشريفين، وتهيئة المشاعر المقدسة في منًى وعرفات، وأماكن رمي الجمرات، وتأسيس أكبر مجمّع لطباعة المصحف الشريف بمختلف القراءات، وترجمة معانيه بعدة لغات…

لقد أنهيت ذلك المقال برجاء قدّمته للملك فهد، وهو أن يصدر أمره إلى المسؤولين السعوديين في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وهيئة الحرمين الشريفين أن يفسحوا المجال لقراء القرآن الكريم من جميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية للاشتراك مع إخوانهم القراء السعوديين في إمامة المسلمين في صلاة التراويح في الحرمين المكي والمدني، التي تنقل إلى مختلف الجهات، ويتابعها كثير من الناس.

إنني أشهد وأشهد الذي يعلم ما تكنّ الصدور أن هدفي من ذلك الرجاء نبيل، وأن قصدي شريف، حيث يتأكد كل من يرى ذلك أو يسمع من المسلمين وغير المسلمين أن هذا القرآن هو الحبل الواصل بين المسلمين وبين الله، وأنه صلة الرّحم بين أجزائهم، وأنه كتاب واحد يحفظه المسلمون الذين أكرمهم الله -عز وجل- بحفظه من دكار غربا إلى مانيلا شرقا، فيزدادون إيمانا مع إيمانهم بأنهم إخوة، وأنهم أمة واحدة كما قضى بذلك من أنزل هذا الكتاب…

وقد كررت هذ الرجاء في كلمة نشرتها في جريدة “الشروق اليومي” بتاريخ 30 نوفمبر من عام 2002، وها أنذا أعيد نشر هذا الرجاء، ملتمسا من سعادتك تبليغه إلى من يهمه الأمر، وما إلحاحي على هذا الرجاء إلا لأنّني أعتقد أن آثاره النفسية والمعنوية ستكون كبيرة… ولعل الله الذي قلوبنا بين أصابعه يبارك في هذا الأمر فيجعله بداية لعودة هذه الأمة سيرتها الأولى، فإن علم الله في قلوبنا خيرا آتانا خيرا، وما ذلك عليه بعزيز.

إن مستندي في رجائي -يا سعادة السفير- هو أن سيدنا إبراهيم – عليه السلام – هو أب المسلمين بنص الآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم إبراهيم، هو سماكم المسلمين”، (الحج 77 – 78)، حيث يذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في “هو سماكم” يعود إلى إبراهيم -عليه السلام- مستدلين على ما ذهبوا إليه بدعاء إبراهيم واسماعيل عند رفعهما القواعد من البيت، حيث جاء في القرآن الكريم: “وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك” (البقرة 127 – 128)، وقد سمّى الإمام محمد البشير الإبراهيمي سيدنا إبراهيم “آدم النبوّة” قياسا على “آدم الأبوّة”.

إن المسلمين لم يرثوا عن أبيهم إبراهيم لا دينارا ولا درهما، ولكنهم ورثوا الحنيفية السمحة، وهذا البيت العتيق، والأذان في الناس بالحج إليه، وهذه المنظومة الجميلة من الأخلاق الجليلة التي تجسدت في ابنه الأمجد سيدنا محمد، وقبض المسلمون قبضة منها.

إنني لا أدعو إلى فتح الباب أمام كل من هبّ ودبّ، فالأمر فصل وما هو بالهزل؛ ولكنني أدعو إلى التشدد والتدقيق في اختيار أحسن الحفاظ لكتاب الله، وأفضلهم تجسيدا لمبادئه، وأنداهم صوتا..

وإنني أؤمن أن لكل أجل كتاب، ولعل الله -العليم الحكيم- أجّل تحقيق هذا الرجاء لعبده الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يُجري الآن توسعة جديدة لبيت الله المعظم..

والسلام عليك – سعادة السفير – ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة