-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنه مجرّد جلدٍ منفوخ!

حسين لقرع
  • 1320
  • 1
إنه مجرّد جلدٍ منفوخ!

أثار وزيرُ الرياضة المصري أشرف صبحي جدلا واسعا في الأوساط العربية مؤخرا، حينما شبّه ضمنيًّا خسارة منتخب بلاده نهائي كأس إفريقيا أمام السنغال، بهزيمة جيشها في حرب 5 جوان 1967، وقال صبحي إن منتخب مصر سينهض مجددا ويعود إلى سكة الانتصارات والتتويجات كما نهضت البلاد بعد “النكسة” وحققت انتصار أكتوبر 1973!

كان على وزير الرياضة المصري أن يحصر الأمور في جوانبها الرياضية ويقدّم مثلا حيّا في هذا المجال فحسب، كأنْ يتحدّث عن خسارة منتخب بلاده التأهُّلَ إلى مونديال جنوب إفريقيا 2010 إثر مباراة أمّ درمان الشهيرة في 18 نوفمبر 2009، قبل أن يعود بقوّة بعد نحو شهرين ونصف شهر فقط ويفوز بكأس إفريقيا للأمم بأنغولا في 31 جانفي 2010، ولو ذكّر الوزيرُ اللاعبين بهذا المثل الحيّ عن تجاوز الهزائم الكروية وسرعة استعادة الروح المعنوية، لكان ذلك كافيا لتحفيزهم قبل أسابيع من مباراتَيْ السدّ أمام السنغال في إطار تصفيات كأس العالم بقطر، من دون أن يلجأ إلى الحديث المُجانِب للصواب عن الحروب والمعارك والمآسي.

تصريح الوزير المصري يجرُّنا إلى الحديث عن نظرة الأنظمة العربية الشمولية إلى كرة القدم، وكيف تعلّق الآمال على انتصارات منتخباتها لمساعدتها في صرف أنظار شعوبها عن المطالبة بحرّياتها وحقوقها الأساسية، وإلهائِها عن معاناتها المعيشية اليومية مع تفاقم الفقر والبطالة والغلاء وأزمة السكن، وتفشّي النهب والفساد والاستبداد… فضلا عن محاولة تمرير قراراتٍ غير شعبية، وقد رأينا في نوفمبر 2009 كيف كان النظامُ المصري يخطّط لتمرير مشروع التوريث باستغلال مباراة كرة قدم، لكنَّ المنتخب الجزائري أفسد المشروع حينما حرم نظيره المصري من تحقيق التأهُّل الذي كان نظامُ مبارك يستعدّ لتقديمه لمواطنيه على أنه من “إنجازاته الوطنية”، ورأينا أيضا كيف أفسد الاستغلالُ السياسي لهذه المباراة العلاقة بين الشعبين الشقيقين سنواتٍ عديدة.

وحينما تعجز الأنظمة عن تحقيق التنمية والعيش الكريم لشعوبها، فإنّها تلجأ -فضلا عن وسائل الإلهاء التقليدية من أفلام ومسلسلات وأغان وحصص ترفيهٍ وغيرها- إلى استغلال انتصارات منتخباتها وتضخيم تتويجاتها والتأهُّل إلى كأس العالم للتّنفيس عن احتقاناتها وإحباطاتها المتراكمة، وكلُّ هزيمةٍ أو إقصاء يُفسِد عليها مخططات الإلهاء، ومثل هذا التفكير السقيم لا نجده لدى الدول الغربية التي تُعدّ عندها كرة القدم وسيلة للمتعة والترفيه وحسب، لذا لم نسمع وزير الرياضة الأرجنتيني مثلا يشبّه هزيمة منتخب بلاده في نهائي كأس العالم 1990 أو نهائي 2014 أمام ألمانيا بهزيمة جيشها أمام الإنجليز في حرب الفوكلاند وخسارتها هذه الجزر في 1982، ولم نسمع وزير الرياضة الفرنسي يشبّه خسارة منتخب بلاده نهائي كأس العالم 2006 مثلا بهزيمة معركة ديان بيان فو بالفيتنام في 1954 أو خسارة الفردوس الجزائري في 1962.. الكرةُ فرجةٌ ومتعة والحربُ أرواحٌ تسقط ودماء تُراق وخرابٌ يحدث، ولا علاقة بين الاثنتين سوى لدى أنظمتنا العربية المتخلّفة.

والغريب أنّ مثل هذا التفكير السقيم امتدّ حتى إلى “النخبة” حتى أنّ إعلاميًّا جزائريًّا قال قبل أيام إنّ مباراتَيْ السّدّ أمام الكاميرون المقرَّرتين  في أواخر مارس المقبل هما “مسألة حياة أو موت”.. مع أنهما في الواقع مجرّد مقابلتين رياضيتين فقط، والتأهُّلُ بعدهما لن يجعلنا في مستوى الصين أو كوريا الجنوبية اقتصاديًّا وتيكنولوجيًّا، والإقصاءُ لن يجعل الحياة تتوقف، كما لم تتوقف بعد إقصائنا من مونديال 2018 وفي مواعيد كروية أخرى عديدة، ورحم الله الشيخ جمال الدين الأفغاني الذي قال يوما: ضاعت رؤوسُنا ولم نحزن، وغرقنا في الجدال بعد فقدان النِّعال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • فتيحة

    مقال جميل جدا ، شكرا سيدي.و الله أنا أكره اسم محاربي الصحراء ،اسم ليس له أي معنى .عن أي حرب يتحدثون ،عن أي معركة بتحدثون .اتمنى العام المقبل ،لا احد يشاهد هذه المباريات التو ليس لها معنى الا التلهية عن الأمور الأساسية.