-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنّنا نحمي السنة من أفهام الجهَلة

بقلم: محمّد الغزالي
  • 439
  • 0
إنّنا نحمي السنة من أفهام الجهَلة

رأيت طالبا فى القاهرة يريد أن يدخل كلية الطب بجلباب وقلنسوة. وسألته: لم هذا الشذوذ؟ قال: لا أتشبه بالكفار في ارتداء البدلة الفرنجية. قلت: التشبه الممنوع يكمن فى انحلال الشخصية، وإعلان التبعية النفسية والفكرية لغيرنا، ولقد لبس الرسول -صلى الله عليه وسلم- جبة رومية كانت ضيقة الأكمام. فلما أراد الوضوء أخرج ذراعيه أسفل.. ولكن الطالب الأحمق أبى وترك الدراسة الجامعية!

كنا يوما فى حفل جامع وكنت ألقي محاضرات “ذات بال” في موضوع خطير، ورأى أحد الصحافيين التقاط صورة للجمع الحاشد. ولكن الداعية نهض يمنع التصوير. فلما أصر الصحافي على المضي فى عمله اتجه الداعي إلى الآلة ليكسرها. وجاءنى الواعظ الغيور يسألنى: لماذا لم تمنع التصوير؟ قلت: لأني أراه مباحا! قال: ألم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “إن أشد الناس عذابا المصورون”؟ قلت: إنه يعنى صانعي التماثيل للعبادة، ولا يُتصور أن يكون هذا الصحافي أشد عذابا من الزناة والقتلة والمرابين والظلمة. قال: الحديث عام فلماذا تخصصه؟ قلت: خصصه الواقع الذي لا يمكن تجاهله، فالوثنيون كانوا يعبدون أصناما مجسمة ولم يعبدوا صورا شمسية. وعندما تكون الصورة الشمسية لصنم أو لصليب أو لمعنى دينى مرفوض فسنحرمها. أما التقاط الصوت فى شريط مسجل، أو التقاط الظل والملامح على ورقة لأغراض علمية أو اجتماعية، فلا علاقة له بالوثنية، ولا يحكم عليه بتحريم. بل هو كما نبه مسلم فى صحيحه: ليس “إلا رقما فى ثوب”. قال: هذا الكلام مردود، ومحاضرتك عن الوحدة الإسلامية وعن التناحر بين المسلمين لا تقبل، ما دامت مقرونة بإقرار التصوير! وشعرت بالضيق، ثم كظمت غيظى ورفضت مواصلة النقاش.

وأحيا آخرون السنة النبوية بالأكل على الأرض، واستخدام الأيدي، رافضين الأكل على الموائد واستعمال الشوك والملاعق. قلت: من قال إن الأكل على المائدة، أو استخدام الملاعق مخالف للسنة؟ إن فهم هؤلاء الناس للدين غريب، وإثارة هذه القضايا دون غيرها من أساسيات الإسلام مرض عقلي. إنه ضرب من الخبال. إن المؤامرات تستحكم يوما بعد يوم لاغتيال الإسلام أو الإجهاز عليه جهرة. فكيف يشتغل قوم بهذه السنن فقط ثم يتساهلون فى الواجبات وعظائم الأمور؟!

ورأيت يوما رجلا حليق الشارب والرأس بالموسى، وله لحية مشوشة وغير مهذبة فساورنى خاطر أنه قادم من عمرة. واحترمت في نفسي هذا الظاهر الموقوت. ولكني أعدت النظر في هيئته فوجدته مكحل العينين، وثوبه إلى نصف الساق أو أعلى. فقلت: هذا رجل من المنتسبين إلى الدين والحديث فيه، وهو بهذا السمت يرى أنه جمع المجد من أطرافه كلها. ورمقته ثم تشاغلت عنه. ولكنه جاءني يسألني بأدب: أنت فلان؟ قلت: نعم! قال: قرأت رسالة وزعت علينا تصفك بأنك تهاجم السنة! وأنك مع الشيخ “أبى رية” في تكذيب الأحاديث! قلت في سكون: وقعت هذه الرسالة فى يدي! قال: ما رأيك فى هذه التهم؟ قلت: ما رأيك أنت؟ هل قرأت لي كتبا؟ قال: نعم، قرأت كتابك “خلق المسلم”. قلت: في هذا الكتاب وحده أكثر من ألف حديث عن النبى -صلى الله عليه وسلم- وفي فقه السيرة وكتابين آخرين نحو ألفي حديث. فإذا أثبت رجل فى عشر مؤلفاته نحو ثلاثة آلاف حديث فكيف يتهم بتكذيب السنة؟! قال: إنك رددت حديثا صحيحا رواه البخارى ومسلم، وهو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أغار على بني المصطلق وهم غارون! قلت على عجل: لقد رددت الفهم القذر الذي استقر فى ذهن بعض الناس لما قرأ هذا الحديث. لقد فهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأخذ الناس على غرة، ويغير عليهم دون أن يدعوهم إلى الإسلام، كأنه قاطع طريق يطلب المغانم. هذا الغباء في فهم السنة هو الذي كذبته. ولم أكذب الحديث نفسه! وعلماء المسلمين قاطبة قرروا أنه لابد من الدعوة قبل القتال. وكاتب الرسالة التى هاجمني يرى أن الحرب الإسلامية لا يسبقها عرض دعوة، ولا تنوير ذهن. يرى أن الدعوة كانت قديما ثم نسخت، وأمسى القتال هجوما مباغتا أو أخذا على غرة. فهل إذا زيفنا هذا التفكير العطن، أسرع الجهال إلى اتهامنا بتكذيب السنة؟! إننا نحمي السنة من أفهام الأراذل. قال: وحديث آخر من الصحاح رددته، وهو حديث “أنه ما من يوم يجيء إلا والذي بعده شر منه”. قلت: بل رده حديث آخر: “أمتى كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره”، وحديث حذيفة الذى رواه مسلم وجاء فيه “أن بعد الخير شرا وبعد الشر خيرا”.. ومن جملة الأحاديث الواردة فى القضية يفهم أن تاريخ الإسلام بين مد وجزر، وغربة وإيناس، ونصر وهزيمة. أما القول بأن الإسلام يسير كل يوم إلى الهاوية، وأن مستقبله مشئوم. فقول مكذوب. قال: هذا ظاهر الحديث. قلت: هذا ظاهر فهمكم أنتم لحديث لم تبلغ عقولكم غوره! بم سينزل عيسى ابن مريم؟ وحديث نزوله صحيح؟ أليس نزوله لمقاتلة الصليبيين، ونصرة التوحيد، وذبح الخنزير، ووضع الجزية. ألستم تقرؤون هذا؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!