جواهر

ابنتي العنيدة تحبطني!

تسنيم الريدي
  • 14975
  • 9
ح.م

ابنتي تبلغ من العمر خمس سنوات، وعندي بنت أصغر منها عمرها 10 شهور، ابنتي حركية جداً، وعنيدة بشكل لا يصدق، وقد تعبت منها جداً، والمشكلة الأكبر عندي، فأنا سريعة الغضب والعصبية، فعندما تخطيء أصرخ فيها، ولا أتفهمها للأسف، فأنا نفسيتي تعبانة وأدرك جيداً أنها لا ذنب لها، وأحاول بعد ذلك أن أعوضها وأحتضنها وأقبلها، لكنني أعود للعصبية من جديد على أبسط الأمور، وبدأت تعاند معي في دخول المرحاض، فتبتل ملابسها، وأصبحت أحدثها عن زميلاتها كيف أنهن نظيفات ويسمعن كلام أمهاتهن، لكنها لا تسمعني أبداً.

رانية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلاً وسهلاً بك يا رانية معنا على صفحات جواهر الشروق، والله أسأل أن يعينك على تربية الأبناء، وأن يرزقك طول البال والهدوء.

تربية الأبناء يا رانية يحتاج للإطلاع ودراسة مشاكل كل مرحلة عمرية للأبناء، وسبل التعامل معها، والعناد لدى الأطفال بشكل عام بين عام[ 3 – 5 ] سنوات ظاهرة معروفة في سلوك بعضهم ، حيث يرفض الطفل ما يؤمر به أو يصر على تصرف ما، أو يُظهر سلوك مغاير أو غير محبب للوالدين، ويتميز العناد بالإصرار وعدم التراجع حتى في حالة الإكراه، وهو من اضطرابات السلوك الشائعة، وقد يحدث لمدة وجيزة أو مرحلة عابرة أو يكون نمطاً متواصلاً وصفة ثابتة وسلوكاً وشخصية للطفل.

وللعناد مراحل عدة – تختلف باختلاف المرحلة العمرية – وبالنسبة لمرحلة طفلتكِ في سن 4 سنوات؛ فهذا السن يعتبر من مراحل العناد الأولى، وأعيد لكِ يا رانية – هذه أمور طبيعية لدى الأطفال الأصحاء عاطفياً ونفسياً وحتى جسدياً.

وعناد المرحلة الأولى يصدر نتيجة لرغبته في شعوره بالاستقلالية، ونتيجة لنمو تصوراته الذهنية، فيرتبط العناد بما يجول في رأسه من خيال ورغبات وله أشكال عدة تظهر على شكل تصرفات وأفعال تارة وعلى شكل أقوال تارة أخرى.

ويؤكد علماء النفس والتربية أن العناد صفة مستحبة في مواقفها الطبيعية – حينما لا يكون مبالَغاً فيه – ومن شأنها تأكيد الثقة بالنفس لدى الأطفال” وهي علامة ذكاء وقوة شخصية في الطفل؛ فهذا الطفل أو الطفلة ستكون – بإذن الله تعالى – في المستقبل ذات شخصية متفردة متميزة وليست ذات شخصية منساقة من قبل الآخرين وهنا تكمن المشكلة!! فإذا كان طفلتك مطيعة باستمرار ودون تفكير ودون إبداء أي اعتراض وعلى طول الخط، ستعانين مع هذه الطفلة في فترة المراهقة لأنها يمكنها الانقياد لأي صحبة سواء صالحة أو طالحة، أما لو كانت تعارض ولها رأيها الخاص، فهنيئاً لك بهذه الطفلة، فالطفل قوي الشخصية هو الطفل العنيد.

مهمتكِ أن تتفهمي أسباب العناد لدى الأطفال ومنها:

– أوامر الكبار قد تكون في بعض الأحيان غير مناسبة للواقع، وقد تؤدي إلى عواقب سلبية؛ مما يدفع الطفل إلى العناد ردَّ فعل للقمع الأبوي الذي أرغمه على شيء، كأن تصر الأم على أن يرتدي الطفل معطفاً ثقيلاً يعرقل حركته في أثناء اللعب، وربما يسبب عدم فوزه في السباق مع أصدقائه، أو أن يكون لونه مخالفاً للون الزيِّ المدرسي، وهذا قد يسبب له التأنيب في المدرسة؛ ولذلك يرفض لبسه، والأهل لم يدركوا هذه الأبعاد.

– قد يلجأ الطفل إلى التصميم والإصرار على رأيه متشبهاً بأبيه أو أمه، عندما يصممان على أن يفعل الطفل شيئاً أو ينفذ أمراً ما، دون إقناعه بسبب أو جدوى هذا الأمر المطلوب منه تنفيذه.

– الطفل يمرّ بمراحل للنمو النفسي، وحينما تبدو عليه علامات العناد غير المبالَغ فيه فإن ذلك يشير إلى مرحلة النمو، وهذه تساعد الطفل على الاستقرار واكتشاف نفسه وقدرته على التأثير، ومع الوقت سوف يتعلم أن العناد والتحدي ليس بالطريق السوي لتحقيق المطالب.

– التدخل بصفة مستمرة من جانب الآباء وعدم المرونة في المعاملة، فالطفل يرفض اللهجة الجافة، ويتقبل الرجاء، ويلجأ إلى العناد مع محاولات تقييد حركته، ومنعه من مزاولة ما يرغب دون محاولة إقناع له.

– قد يظهر العناد ردَّ فعل من الطفل ضد الاعتماد الزائد على الأم، أو الاعتماد الزائد على المربية أو الخادمة.

– معاناة الطفل وشعوره بوطأة خبرات الطفولة، أو مواجهته لصدمات، أو إعاقات مزمنة تجعل العناد وسيلة لمواجهة الشعور بالعجز والقصور والمعاناة.

– تلبية مطالب الطفل ورغباته نتيجة ممارسته للعناد، تُعلِّمه سلوك العناد وتدعمه، ويصبح أحد الأساليب التي تمكِّنه من تحقيق أغراضه ورغباته.

ومع تفهم أسباب العناد عند الأطفال، نجد أن كثيراً ما يكون الآباء والأمهات هم السبب في تأصيل العناد لدى الأطفال؛ فالطفل يولد ولا يعرف شيئاً عن العناد، فالأم تعامل أطفالها بحب وتتصور أن من التربية عدم تحقيق كل طلبات الطفل، في حين أن الطفل يصر عليها، وهي أيضاً تصر على العكس فيتربى الطفل على العناد، وبالتالي يجب:

1- البعد عن إرغام الطفل على الطاعة، واللجوء إلى دفء المعاملة اللينة والمرونة في الموقف، فالعناد اليسير يمكن أن نغض الطرف عنه ونستجيب لما يريد هذا الطفل، ما دام تحقيق رغبته لن يأتي بضرر، وما دامت هذه الرغبة في حدود المقبول.

2- شغل الطفل بشيء آخر والتمويه عليه إذا كان صغيراً، ومناقشته والتفاهم معه إذا كان كبيراً.

3- الحوار الدافئ المقنع غير المؤجل من أنجح الأساليب عند ظهور موقف العناد؛ حيث أن إرجاء الحوار إلى وقت لاحق يُشعر الطفل أنه قد ربح المعركة دون وجه حق.

4- العقاب عند وقوع العناد مباشرة، بشرط معرفة نوع العقاب الذي يجدي مع هذا الطفل بالذات؛ لأن نوع العقاب يختلف في تأثيره من طفل إلى آخر، فالعقاب بالحرمان أو عدم الخروج أو عدم ممارسة أشياء محببة قد تعطي ثماراً عند طفل ولا تجدي مع طفل آخر، ولكن لا تستخدمي أسلوب الضرب والشتائم؛ فإنها لن تجدي، ولكنها قد تشعره بالمهانة والانكسار.

5- عدم صياغة طلباتنا من الطفل بطريقة تشعره بأننا نتوقع منه الرفض؛ لأن ذلك يفتح أمامه الطريق لعدم الاستجابة والعناد.

6- عدم وصفه بالعناد على مسمع منه، أو مقارنته بأطفال آخرين بقولنا: (إنهم ليسوا عنيدين مثلك).

7- المدح لطفلك عندما يكون جيداً، وعندما يُظهر بادرة حسنة في أي تصرف، وكوني واقعية عند تحديد طلباتك.

8- اجتهدي في تعليم أطفالكِ المشاركة والأخذ والعطاء فتعلميهم تبادل الألعاب مع الأصدقاء ومشاركتكِ مثلاً في المنزل وبعض الأمور التي تساعد الطفل في نبذ سلوك الأنانية وتعلم المشاركة، وبهذه الطريقة سيدرك الطفل أنه إذا أراد شيء عليه أن يعطي شيء في المقابل مثال: ” إذا قمت بمساعدتي يا حبيبتي في ترتيب غرفتكِ سوف أكافئك بالذهابِ معكِ إلى السوق وشراء اللعبة المفضلة لديكِ”.

9- كوني قدوة لأطفالكِ وقبل أن تمنعيهم من سلوك معين لا تفعلينه أنتِ أولاً؛ لأن طفلك هو مرآة لتصرفاتك واعلمي أن عناده مبني على اعتقادات خاصة به يتبناها ويتصرف من خلالها بعض الأزواج يضربون ويسبون زوجاتهم أمام الأطفال ويتراكم هذا الموقف بذهن الطفل فيقوم بضرب أصدقائه وزملائه ومن دون أن نعلم نخلق طفل عدواني الحل في أن تكوني قدوة حسنة لطفلك ولا تفعلي شيء ونقيده أمام الطفل حتى لا يفقد الثقة فيك. مثال: “نظف الطبق الذي تأكل فيه بعد الانتهاء من الطعام واجعلي طفلك يرى هذا وقولي له أن هذا سلوك سليم”.

10- احترام الطفولة مبدأ تربوي لأنهم صغار هذا لا يعني أنهم لا يستحقون الاحترام عندما تعطى طفلك الاحترام فهذا سيساعده في أن يتحلى هو أيضًا بهذا السلوك بل وتصبح عادة مزروعة في شخصيته ولكن الاحترام لا يعنى ألا تكونين حازمة في بعض المواقف مثال: “حبيبتي من فضلكِ أيمكنكِ أن تضعي ألعابكِ في مكانها بعد اللعب سوف اغضب منكِ إن أهملتها”.

11- مدح طفلك ومكافئته، فالأطفال يقومون بسلوك أفضل عند المكافئة مما يعز من سلوكهم الإيجابي فلا تنسي الثناء على طفلتكِ أذا قامت بسلوك حسن ويمكنك مكافئتها على أفعالها الصحيحة قومي بالثناء على أفعالها الجيدة على الفور وبصدق. مثل “كنتِ رائعة وأنتِ تساعديني في تنظيف غرفتكِ شكرا”.

تذكري يا رانية أن الغضب والصياح والعصبية ليس الحل!!! لا تزيدي النار وقودًا وينبغي عليكِ التحلي بالصبر والهدوء ومحاولة التحدث مع طفلتكِ الطيبة، ومعرفة سبب العناد عندها ما أمكن، حاولي أن تقضي بعض الوقت يوميًا في التحدث مع طفلتكِ وبناء علاقة صداقة ومودة وحتى تكتسب طفلتكِ خبرات تجعلها قادرة على التصرف وأيضًا تؤهلها لبناء شخصية مفعمة بالثقة.

ولا بد من إدراك أن العناد في الطفولة هو دليل نبوغ وليس دليل قلة تربية مثلما يقول عامة الناس! ومعاملة الطفل العنيد ليست بالأمر السهل؛ فهي تتطلب الحكمة والصبر، وعدم اليأس أو الاستسلام للأمر الواقع، وأختم هذه الاستشارة بهذه القصة الطيبة من تاريخنا المجيد.

كان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه وهو خليفة المؤمنين آنذاك يتجول في أحد طرق المدينة،  وكان يعرف عنه رضي الله عنه بقوة الشخصية والهيبة، فمر على عددٍ من الصبية وهم يلعبون في الطريق ففروا جميعاً – لما رأوا قدومه إلا طفلاً واحداً، فسأله عمر – بصوته الجهور -، لماذا لم تفرُ مثل باقي الأطفال؟، فقال الطفل وبكل أدب وثقة: “يا أمير المؤمنين لم أفعل ذنباً فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسعها لك! “. فقال له عمرُ من أنت يا غلام؟ قال: ” أنا عبد الله ابن الزبير يا أمير المؤمنين”.

وبالمناسبة فقد تنبأ عمر رضي الله عنه بالنبوغ لهذا الصبي هذا الصبي كان هو عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه، ابن حواري رسول الله وابن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما جميعاً.

تمنياتي لك بالسعادة والتوفيق في تربية أبنائك.

للتواصل معنا:

fadhfadhajawahir@gmail.com

مقالات ذات صلة