-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اثنتان لا ثالث لهما بالضرورة

عمار يزلي
  • 961
  • 0
اثنتان لا ثالث لهما بالضرورة

في مثل هذا اليوم من سنة 1945، كانت الحرب العالمية الثانية تضع نقطة نهاية الجملة بانتحار هتلر رفقة زوجته إيفا، التي تزوّجها قبل 24 ساعة فقط من النهاية، والتي رُسِّمت في حدود الساعة الثالثة والنصف مساءً، ساعات قبل أن يرفع الروس علم النصر الأحمر فوق مبنى الرايخ. حرب مدمِّرة لم يسبق لها مثيل، حتى تلك النسخة الأولى منها ما بين 1914ـ1918.

واليوم، وفي خضمّ صراع على أشده بين القوى الغربية وروسيا بشأن أوكرانيا، بدأت تتعالى أصوات تنذر بنشوب حرب عالمية ثالثة قد لا تكون بعدها رابعة.

التدفُّق غير المحدود للأسلحة على أوكرانيا من طرف الغرب، عوض العمل على تشجيع التفاوض بين الجانبين من أجل إيجاد تسوية تفاوضية وإنهاء الحرب، يزيد من احتمال التصعيد، الذي يعني في النهاية الوصول إلى ذروة التهديد باستخدام الأسلحة الإستراتيجية، قبل استخدامها فعلا. وقد سمعنا مؤخرا كلاما بشأن ذلك من الرئيس الروسي، لكننا سمعنا كلاما مماثلا من فم وزير الجيوش البريطاني.. ثم لا ننسى التهديد التاريخي  لـ”خروتشوف” المماثل خلال العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.

اللعب بالنار هذه المرة هو لعبٌ على فناء الإنسانية، إذ أنه كلما زادت شرارة الحريق في التوهُّج، بات أمر “الاقتراب من حافة الهاوية” كما يقال في الاستراتجيات العسكرية، أمرا واردا ومنطقيا.

أمس فقط، أي يوم 29 من أبريل، كنا نستذكر حادثة المروحة التي حدثت في هذا اليوم من سنة 1827م، والكل يعلم أن الاحتلال الفرنسي للجزائر كانت نتيجة دفع الداي إلى التلويح بالمروحة في وجه القنصل الفرنسي “بيير ديفال” الذي طالبه بوجوب دفع نحو 20 مليون فرنك التي هي على عاتق فرنسا من أيام الثورة الفرنسية سنة 1789م، بعد أن حاصر الأوروبيون فرنسا ضغطا على “الانقلاب” والثورة على السلطة الإقطاعية القائمة، مما أحدث أزمة غذائية خانقة في فرنسا متمثلة في ندرة القمح وبالتالي الخبز الذي كان أصلا شبه مفقود على عامّة الفرنسيين. الجزائر وحدها، عبر شركة اليهوديين “بوشناق وبكري”، هي من موّلت فرنسا المتضررة من الحصار والثورة بكميات ضخمة من القمح الجزائري. هذا قريبا بالتمام كما يحدث الآن بشأن قمح أوكرانيا وروسيا كبلدين منتجين يعانيان من صعوبة تسويق وإنتاج هذه المادة، خاصة أوكرانيا.

الجزائر جاءت لتطالب بحقها في الحصول على مستحقات القمح، فصارت هي البادئ بالاستفزاز، والبادئ في فلسفة الغرب هو “أظلم وأبقى”، فكان أن حوصرت الجزائر ستة أشهر قبل أن تجتاحها القوات الفرنسية في 5 جويلية 1830م.

اليوم، يكاد الأمر يختلف ويتشابه ويتقارب في كثير من نقاط التقاطع التي تصبُّ كلها في محصلة مفادها أن التوسُّع الرأسمالي الغربي لا حدود له، وأطماعه لا تنتهي عند حدود جغرافية ولا سياسية معينة، وكما دفعوا روسيا لكي تقلّب الطاولة بعد 8 سنوات من الصمت والعمل في الخفاء من تحت الطاولة، بالهش بمروحة الريش، فقد يدفعون روسيا من جديد إلى حد استعمال المروحة الحديدية، وهاهي الحرب تستعر وتضطرم وتقول لمغذيها بالحطب “هل من مزيد”؟.. النار لا تنطفئ طالما الحطب والوقود موجود. الخوف، وكل الخوف، أن تستمرّ النيران في الانتشار، فيما يغذيها الكبار بالحطب والزيت والنفط والغاز وأدوات الحصار والنار، إلى أن تصل إلى حد أن يحترق الكل بلهيبها.. وأوروبا ستكون أول المتضررين.. وآخر من يلوم.. لأنه لا أحد اعتبر بأنَّ حربين عالميتين حصدتا عشرات ملايين الأرواح ودمّرتا أوروبا عن بكرة أبيها، تكفيان مثلا، ويمكن لنا أن نعكس المثل الفرنسي بالقول: يمكن، إن حلَّ العقل محلَّ الجموح الانفعالي، أن “تكون هناك اثنتان.. لكن، ليس بالضرورة أن تكون لهما ثالثة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!