الرأي
آهات وصرخات لا تجد آذانا صاغية

اختطاف الأطفال‮.. ‬الكابوس الذي‮ ‬لا‮ ‬يراد له أن‮ ‬ينتهي

سلطان بركاني
  • 3831
  • 1

إلى أين تتّجه الجزائر؟ وما الذي‮ ‬يُريده تجّار الفتن والمحن لهذا الشّعب الذي‮ ‬لا‮ ‬يكاد‮ ‬يلتقط أنفاسه من محنة حتى تُفتح عليه أبواب محنة أخرى؟ لماذا‮ ‬يراد لهذا البلد المسلم أن‮ ‬يتحوّل إلى‮ ‬غابة،‮ ‬يأكل القوي‮ ‬فيها الضعيف،‮ ‬ويستطيل الغنيّ‮ ‬فيها وصاحب المنصب والجاه والحظوة على الفقير‮..‬؟ الأسعار في‮ ‬ارتفاع مطّرد،‮ ‬الخناق‮ ‬يشتدّ‭ ‬على الفقراء،‮ ‬بينما لا تزال المنح والامتيازات تُغدَق على الأغنياء‮..‬

المؤشّرات كلّها تنذر بأنّ‮ ‬البلد‮ ‬ينحدر،‮ ‬ليس فقط نحو أزمة اقتصادية خانقة،‮ ‬وإنّما أيضا نحو أزمة اجتماعية كبيرة،‮ ‬تهدّد كيان المجتمع بأسره،‮ ‬كيف لا وقد أصبح الآباء والأولياء لا‮ ‬يكاد الواحد منهم‮ ‬يهنأ بعيش ولا طعام ولا شراب،‮ ‬بسبب خوفه على نفسه وماله وأهله،‮ ‬وعلى أبنائه وبناته،‮ ‬من سطوة هذه الوحوش البشريّة،‮ ‬التي‮ ‬أصبحت لها الكلمة العليا،‮ ‬في‮ ‬ظلّ‮ ‬غيابٍ‮ ‬شبه كامل لمن أُنيط بهم حفظ الأرواح والأعراض والأموال؛ وُحوش لم تتربَّ‮ ‬في‮ ‬المساجد ولا في‮ ‬البيوت،‮ ‬وإنّما تربّت وترعرعت في‮ ‬الخلوات والملاعب ومقاهي‮ ‬الأنترنت،‮ ‬على سلوك كلّ‮ ‬السّبل المتاحة،‮ ‬وغير المباحة،‮ ‬للظّفر بمصروف الجيب،‮ ‬وإشباع الغرائز التي‮ ‬لا تخبو أبدا بسبب المواقع الإباحية،‮ ‬التي‮ ‬يصرّ‮ ‬المسؤولون في‮ ‬هذا البلد على أنّ‮ ‬منعها ليس من أولوياتهم‮! ‬‭.. ‬تماما كما أنّ‮ ‬ردع المجرمين ومحاصرة الجريمة ليست ضمن اهتماماتهم،‮ ‬وحماية أبناء الفقراء لا‮ ‬يرونها أيضا من مسؤولياتهم،‮ ‬لأنّ‮ ‬أبناء هؤلاء المترفين‮ ‬يدرسون في‮ ‬مدارس خاصّة،‮ ‬ويتنقّلون في‮ ‬سيارات خاصّة،‮ ‬تحت حراسة خاصّة،‮ ‬فلا نستغرب بعد هذا عندما نرى أحد المحامين الذين‮ ‬يفترض فيهم الدّفاع عن الضّحايا،‮ ‬يقول تعليقا على مطالبة بعض الأوساط بتفعيل الإعدام لزجر المجرمين،‮ ‬وقد صوّب خياشيمه إلى السّماء‮: “‬زمن الإعدام قد ولّى‮”!‬،‮ ‬يقول هذا بكلّ‮ ‬بساطة،‮ ‬لأنّ‮ ‬الأطفال الذين‮ ‬يُنحرون ويرمون في‮ ‬المزابل ليسوا أبناءه،‮ ‬ولو بُلي‮ ‬في‮ ‬عزيز أو قريب،‮ ‬وظفر بالمجرمين لأعدمهم من دون محاكمة‮. ‬

ما أقساها من قلوب،‮ ‬تلك التي‮ ‬لم تؤثّر فيها دمعات الأمّهات المكلومات،‮ ‬وصرخات النّساء المفجوعات،‮ ‬وهنّ‮ ‬يتوسّلن إلى المسؤولين أن‮ ‬يتدخّلوا لإنقاذ فلذات أكبادهنّ،‮ ‬قبل أن‮ ‬يعودوا إليهنّ‮ ‬جثثا هامدة،‮ ‬وتمرّ‮ ‬الأيام والشّهور والدّموع لا تغادر المقل،‮ ‬والحسرات تعتصر القلوب،‮ ‬حتى‮ ‬يبلغ‮ ‬الأمر بهنّ‮ ‬إلى تمنّي‮ ‬رؤية أبنائهنّ‮ ‬ولو جثثا هامدة،‮ ‬وهي‮ ‬الأمنية التي‮ ‬تتحقّق في‮ ‬نهاية الأمر،‮ ‬ثمّ‮ ‬تزداد لوعتهنّ‮ ‬وهنّ‮ ‬يرين كيف‮ ‬يتدخّل المسؤولون،‮ ‬وكيف تعلن حالة الاستنفار على كلّ‮ ‬المستويات والأصعدة،‮ ‬عندما‮ ‬يتعلّق الأمر بالبحث عن أبناء الأثرياء،‮ ‬الذين لا تمرّ‮ ‬سوى أيام معدودات بعد اختفائهم،‮ ‬حتى‮ ‬يعودوا إلى ذويهم سالمين معافين،‮ ‬وسط تغطية إعلامية منقطعة النّظير‮.‬

الأطفال سواءٌ‮ ‬كانوا من أسر‮ ‬غنية أو فقيرة،‮ ‬هم في‮ ‬النّهاية أبرياء،‮ ‬ومن واجب الدّولة أن تستنفر أجهزتها لردّهم إلى ذويهم،‮ ‬ولكنّ‮ ‬مثل هذا التّمييز‮ ‬يزيد مأساة الفقراء،‮ ‬بل ويجعل بعضهم‮ ‬يشكّكون في‮ ‬أنّ‮ ‬هناك نية مبيّتة في‮ ‬غضّ‮ ‬الطّرف عن هذه الظّاهرة المروّعة،‮ ‬وعدم التّعامل معها بالجدية التي‮ ‬تستحقّها،‮ ‬في‮ ‬إطار سياسة الإلهاء المعروفة‮.‬

نعم،‮ ‬المسؤولية عن استمرار هذا الكابوس المرعب هي‮ ‬مسؤولية الجميع؛ مسؤولية المجتمع الذي‮ ‬تربّى في‮ ‬أحضانه هؤلاء الشّباب المنحرفون،‮ ‬وألقى لهم الحبل على الغارب،‮ ‬حتى أصبحوا‮ ‬يفرضون منطقهم في‮ ‬كلّ‮ ‬مكان،‮ ‬ويهدّدون كلّ‮ ‬من‮ ‬يقف في‮ ‬طريقهم أو‮ ‬ينكر صنيعهم،‮ ‬ولعلّ‮ ‬قصّة إمام مسجد سعد بن أبي‮ ‬وقاص ببلدية توقريت ولاية الشّلف،‮ ‬التي‮ ‬نشرتها الشّروق مؤخّرا،‮ ‬خير مثال لهذا الانحدار الخطير‮.. ‬المسؤولية أيضا هي‮ ‬مسؤولية الأئمّة في‮ ‬توعية الآباء بخطر الغفلة عن انحدار أبنائهم الشّباب إلى مستنقعات الخمور والمخدّرات والمواقع الإباحية،‮ ‬وهي‮ ‬أيضا مسؤولية رجال الأمن،‮ ‬الذين‮ ‬يتقاضون رواتبهم لحفظ الأمن وردع المجرمين؛ هي‮ ‬مسؤولية هؤلاء جميعا،‮ ‬لكنّ‮ ‬المسؤولية الأكبر هي‮ ‬مسؤولية الدّولة في‮ ‬منع الخمور،‮ ‬والجدية في‮ ‬إعلان الحرب على كبار مروّجي‮ ‬المخدّرات قبل صغارهم،‮ ‬وفي‮ ‬حجب المواقع الإباحية،‮ ‬والأهمّ‮ ‬من هذا وذاك،‮ ‬تجنيد مؤسّسات الدولة وبخاصّة الأمنية منها لحماية الأبرياء،‮ ‬وصون الأرواح والأعراض‮.‬

أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‮ ‬‭-‬رضي‮ ‬الله عنه‮- ‬كان‮ ‬يقول‮: “‬لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضياعاً‮ ‬لخشيت أن‮ ‬يسألني‮ ‬الله عنها‮”‬،‮ ‬يقول هذا في‮ ‬حقّ‮ ‬السّخلة،‮ ‬وهي‮ ‬العنزة الصّغيرة،‮ ‬لكنّ‮ ‬المسؤولين في‮ ‬هذه الأيام،‮ ‬ربّما لا تتحرّك لهم جارحة وهو‮ ‬يرون أطفالا أبرياء‮ ‬يُختطفون ويُعتدى عليهم،‮ ‬ويذبحون وتلقى جثثهم عند أبواب بيوت والدِيهم كما تُلقى القمامة‮!.‬

مقالات ذات صلة