اعتدوا عليّ في السجن وخلعوا حجابي ثم أصبحت متّهمة !
على عتبات بوابة القرن الواحد والعشرين، من كان يتصور أن البشرية ستنجب من رحمها نسخة أخرى طبق الأصل عن الخنساء التي تذكرها كتب التاريخ بأحرف من ذهب، هذا ما تجسد في السيدة سناء عبد الجواد، حرم الدكتور محمد البلتاجي، القيادي في جماعة “الإخوان المسلمين”.
ومع أن السيدة سناء فقدت وحيدتها أسماء شهيدة خلال فض اعتصام “رابعة” في أوت 2013، ومنذ ذلك التاريخ يقبع زوجها وابنها في زنازين الانقلابيين، إلاّ أنها تقف شامخة كالطود، عصيّة على الانكسار، بل أكثر من ذلك فهي تحمل لكل أولئك المؤمنين بثورة المصريين على الظلم والظالمين بشائر نصر قريب يكسّر شوكة الانقلابيين الذين سفكوا دماء الأبرياء ليحكموا بالرصاص والنار شعبا حرا خرج ليقول لا للاستعباد.
في هذا الحوار الذي خصت به السيدة سناء عبد الجواد “الشروق اليومي” تروي بألم تلك اللحظات الأخيرة في حياة ابنتها الشهيدة أسماء، والمعاناة والحيف الذي يتعرض له زوجُها المعتقَل في ظروف غير إنسانية.
ما الذي جعل الدكتور محمد البلتاجي يعتقد أن الانقلاب لن ينجح، وإن نجح لن يصمد؟
لأنه يرى أنه طالما هناك شعب حرّ أبيّ فلن يرضى بحكم العسكر وسيثور حتى إسقاط الانقلاب، وهذا ما يحدث الآن بالفعل، ولأن الانقلابات عمرها قصير مادام هناك شعوبٌ حرة.
ما حقيقة الضابطين اللذين اتُهم الدكتور البلتاجي بتعذيبهما؟
الضابطان دخلا الاعتصام فتعرّف المعتصمون على هويتهما وأرادوا الفتك بهما فأخذهما الدكتور البلتاجي ومنع المعتصمين من النيل منهما، واتصل بوزير الداخلية يخبره بوجودهما، وطلب منه أن يحضروا لأخذهما، وهذه المكالمة مسجّلة لو أرادوا تحري الحقائق، ولكنهم للأسف لفقوا للدكتور قضية تعذيبهما، وتمت إدانته بـ20 سنة سجناً على هذه التهمة الملفقة.
لماذا كان زوجك يتصل بوزير الداخلية محمد إبراهيم أثناء الاعتصام؟
كانت هناك اتصالاتٌ أيضا بوزير الداخلية بعد مجزرة الحرس الجمهوري والمنصة يحمّله فيها المسؤولية الكاملة عن هذه الدماء التي أريقت، ويؤكد له أن الاعتصام سلمي ويرفع مطالب مشروعة، وكان الدكتور يقول لنا: إن وزير الداخلية أداة منفذة فقط، وإن هناك من يدير هذه المجازر والمشهد كله.
تم تلفيق 23 قضية لزوجك، منها”الإرهاب” و”القتل”، كيف تتوقعين أن يكون الحكم في ظل هذه التهم الثقيلة؟
بالفعل تم تلفيق أكثر من 23 قضية إلى الآن لزوجي، منها القتل وقطع الطريق والعنف وحرق منشآت وغيرها من القضايا الملفقة من أمن الدولة انتقاما من الدكتور، وكما قال لهم “هل تحولتُ في بضعة أيام من أستاذ جامعي وطبيب يحرص مرضاه على الحجز عنده، ومن برلماني وحقوقي وعضو اللجنة التأسيسية لوضع دستور مصر، إلى مجرم يقوم بالقتل والعنف والحرق في طول البلاد وعرضها؟”.
وحُكم على زوجي الدكتور محمد البلتاجي بأحكام وصلت حتى الآن إلى 120 سنة في 5 قضايا فقط، وفي انتظار الباقي، أي 18قضية أخرى، يظل زوجي متماسكا، وكما قال لنا مرة أثناء المحاكمة من وراء الحائل الزجاجي في ورقة صغيرة “120 سنة ومكمّلين ولن ترهبنا أحكامهم، تستوي عندنا البراءة والإعدام طالما نحن على طريق الحق وليس الضلال، الحمد لله تاريخنا ناصع البياض لخدمة ديننا وبلدنا”.
قلتِ في حديث صحفي سابق إن زوجك الدكتور محمد البلتاجي يتنفس من خلال فتحة الباب في زنزانته الانفرادية، حدثينا عن ظروف حبسه؟
بالفعل، خلال نقل الدكتور إلى العنبر الانفرادي بسبب الرسائل التي كان يبعث بها ليبثّ روح الثورة والحماسة لدى الثوار حتى وهو خلف القضبان، ما دفع إلى نقله إلى هذا العنبر الانفرادي المسمى”عنبر الموت”، وهي زنزانة مظلمِة ليس بها 1 سنتيمتر لدخول الهواء، كان بالفعل يتنفس من تحت الباب، وليس عنده غطاء أو أي شيء آخر، فدخل في إضراب عن الطعام، حيث لم يكن يتناول سوى شربة ماء واحدة في اليوم لمدة 24 يوما، حتى سمحوا لنا برؤيته في إحدى الزيارات كي نضغط عليه للتوقف عن الإضراب، وفي هذا اليوم عندما رأيناه أنا وابني أنس، وهو الابن الثاني المعتقل الآن، إنهرنا من شدة الصدمة، بسبب وضعه الصحي غير المحتمل، وصحنا فيهم: “لماذا هذا الظلم الذي تمارسونه عليه؟ ارفعوا الظلم عن هذا الرجل الشريف المناضل، إنه القويّ وأنتم الضعفاء، هو الكبير وأنتم الصغار، لن تكسروا إرادته بما تفعلونه، اسألوا أنفسكم لماذا تخافون منه؟”، ولذلك لفقوا لنا قضية وقتها بحجّة أننا اعتدينا أنا وأنس عليهم في السجن، وأرغموني على الخروج، بعد أن اعتقلوا ابني، فصمّمت على البقاء معه، فاعتدوا علينا ثانية بالضرب وخلعوا حجابي أمام كل ضباط السجن والحرّاس، ثم لفقوا لنا تهمة الاعتداء عليهم، وحرّروا لنا محضرا واعتقلونا وأخذونا إلى النيابة وأجروا معنا تحقيقات حتى الواحدة صباحا، ثم أخلوا سبيلنا على ذمة القضية بعد دفع كفالة قدرها10 آلاف جنيه، وإلى الآن مازالت القضية قيد التحقيق، وسيفصل فيها في 29 من شهر مارس.
من أقنع زوجك بالتوقف عن الإضراب عن الطعام؟
بعد إلحاح كل الثوار على الدكتور، ومناشدات من الداخل والخارج بالتوقف عن الإضراب حفاظا على حياته حتى يستطيع استكمال مسيرته من أجل الوطن الحبيب، نزل عند رغبتهم وقام بالتوقف عن الإضراب، طبعا كان هناك تخوّف شديد على حياته، وكنا نخشى أن يكون مصيره مثل مصير سليمان خاطر.
من خلال زيارتك إليه، ما هي الرسائل التي يحاول زوجك أن ينقلها للعالم الخارجي؟
يحاول زوجي إرسال رسائل لرفع الهمم والثبات، والتصميم على مواصلة طريق الثورة المبارَكة، مع التأكيد أن الجميع قد أخطأ في حقها، وعلى الجميع الاستفادة وتقييم ومراجعة ما يخص الثورة المصرية، مع بثّ روح الثقة العالية ورفع الروح المعنوية للثوار، وأن الله اختارنا في هذه الحقبة لأمر جلل حتى يغيّر تاريخ الأمة إلى الأفضل.
أسماء البلتاجي توضّأت قبل أن تستشهد، صِفي لنا اللحظات الأخيرة قبل أن تصاب بطلق ناري وتغادر الحياة؟
يبدو أن أسماء الشهيدة كانت تُعِدّ نفسها للشهادة، طلبت مني أن أصبّ عليها الماء لكي تتوضأ، بعد دخولهم الميدان وقيام الشرطة والعساكر بإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز المميتة، استجبت لها وصببت عليها من زجاجة صغيرة كانت معها، ثم ألحّت عليّ بعدها أن تذهب إلى المستشفى الميداني، فرفضت وطلبت منها أن تبقى معي أمام المنصّة، وبعد وقت ليس بطويل، وفي خضم ما كنا فيه من تدافع بسبب الاختناق بالغاز وصعوبة التنفس، كانت تعطيني الخلّ المضاد للغاز، وتمسح على عينيّ، وأنا كذلك كنت أناولها الخل وأمسح على عينيها، حتى وجدتها تقبّلني، فاستغربت في هذا الجو المشحون من تصرفها، وبدا لي وكأنها كانت تودّعني، واختفت عن ناظري، وذهبت إلى المستشفى تجمع الحجر من على الأرض، وفي يدها مصحفها الشريف تتلو منه الآيات بصوت مرتفع، وأثناء ذلك اخترقت رصاصة الغدر صدرها، لقد تم قنصها من على طائرة في الصدر، وطلقات خرطوش كثيرة أصابت وجهها وأجزاء متفرقة من جسدها. في هذا الوقت كنت أبحث عنها ولم تكن هناك شبكة اتصالات بعدما قاموا بقطعها، حُملت الشهيدة إلى داخل المستشفى وهي تنزف، ثم جاءني أخوها الصغير خالد الذي كان يقوم بتقديم يد المساعدة داخل المستشفى يبحث عني ويخبرني بما حدث لأسماء، لكنهم قالوا لي إنه خرطوش (رصاص صيد الطيور)، فقلت الحمد لله، ثم صُدمت بعدما رأيت تدهور حالتها أمامي، فنقلت حبيبتي إلى المستشفى لإجراء عملية مستعجلة، ولكنهم لم يستطيعوا عمل أي شيء، لأنهم فجّروا كل أكياس الدم، وحطّموا كل المعدات الطبية، فلاقت ابنتي الوحيدة الله شهيدة، تشكو إليه ظلم الانقلابيين المجرمين القاتلين، وكانت آخر ما قالت “يا الله يا الله” فقد عاشت حياتها مع الله ولقيت الشهادة وهي ترددها.
ادّعت الأبواق الإعلامية المصرية المؤيّدة للانقلاب أن أسماء لا تزال على قيد الحياة وهي موجودة في تركيا، ما الهدف من وراء هذه الفبركة الإعلامية؟
لقد ادّعوا أننا قمنا بتهريب أسماء إلى الخارج ونزعم قتلها، وقد جاؤوا بصوت فتاة على شاشة التلفاز تدّعي أنها أسماء البلتاجي، وأنها لم تُقتل، وأن أباها يتاجر بدمها، لأن أسماء التي أصبحت أيقونة الثورة المصرية يذكرها العالم كله؛ لقد فضحتهم، اغتالوا البراءة والجمال والصفاء، فهم بادعاءاتهم الكاذبة يريدون أن يتنصلوا من جريمتهم النكراء، ولكنهم لن يستطيعوا ذلك، وقد رأى العالم كله لحظة اغتيال أسماء واحتضارها، وهم إلى الآن لم يفتحوا تحقيقا في مقتلها، ولكن لن يفلتوا من تقرير الطب الشرعي الذي يثبت كيف قُتلت والأدلة كلها موجودة، وسيأتي حتما اليوم الذي يُحاكَمون فيه جميعا على الدماء الطاهرة التي سالت وروت الأرض، كي نحصد نحن الحرية، حتما سيأتي هذا اليوم وإن طال الزمن.
كيف كان ردّك على هذه الإدعاءات؟
أقول والله إنني لست أنا فقط من حُرمت من ابنتي، ولكن حُرمتْ منها مصر أيضا، كم كان اهتمامها بتنمية بلدها وإعداد مشاريع مرحلية وطويلة المدى، كما كان اهتمامها بقضية سوريا، وكان دأبها أن تبعث بمقترحات لمحللين سوريين تتواصل معهم، كما كانت تتواصل مع أحبائنا في غزة، لقد كانت لها رؤية حكيمة وعملية في كل القضايا بالرغم من صغر سنها، حافظة للقرآن، بل ومعلّمة له، تدرس اللغة العربية جيّدا لكي تعلّمها لغير العرب الموجودين في بلدنا، كما كانت تمثل البساطة والتواضع والفهم العالي لما يدور من حولها، كانت بالفعل أستاذة لنا، والحمد لله إلى الآن لا يزال لها دورٌ مع الجميع، وخاصة بناتنا الحرائر اللواتي جعلن من أسماء أيقونة الثورة وقدوة لهن، كانت لأسماء كتاباتٌ كثيرة يستفيد منها الجميع، فاللهم اجعل ذلك كله في ميزان حسناتها، وبلغها به الفردوس الأعلى وارزقها النظر إلى وجهك الكريم كما كانت تتمنى وتدعو بذلك.
أنت أمّ لأسماء الشهيدة وأنس المعتقل بتهمة “التحريض على العنف”، وزوجة قيادي بالإخوان معتقل على ذمة اتهامات خطيرة.. كيف تعيشين حياتك وسط هذا الفقد الموجع؟
أعيش حياتي بعيدا عن زوجي الذي يرزح تحت الاعتقال، وابني الأكبر عمّار بعد خروجه من المعتقل ومطاردته أمنياً اضطر للسفر إلى الخارج، وابني أنس معتقل إلى جانب والده، كل هذا لم يكفِ الانقلابيين الذين اعتقلوا ابني خالد أيضا، والذي يبلغ من العمر 16عاما، وقد تم إخلاء سبيله منذ أيام قليلة على ذمة قضية، غير أن أشدّ ما يؤلمني هو حرماني من ابنتي الوحيدة الجميلة، ولكني بفضل الله لديّ ثقة ويقين شديد في أن الله ناصرنا ومؤيدنا، وأنه قد اختارنا في هذا الوقت لنقدّم لديننا وبلدنا بالفعل ليس بالكلام، وسيثبّتنا الله على طريق الحق الذي اخترناه لكي نعطي درسا للإنقلابيين حتى لا يعيدوا هذه التجربة مرة ثانية، بل وأن نعطي درسا للعسكر في كل بلاد العالم حتى لا يفكّروا في مثل ما وقع به عسكر مصر، إن شاء الله صامدون، ثابتون، مصرّون على كسر الانقلاب.
نعم فقدٌ وحرمان موجع، ولكني أستمدّ من الله العون والتأييد والنصرة، ولديّ ثقة أن الله لن يضيّعنا في الدنيا والآخرة حتى نلحق بالشهيدة أسماء في الدرجات العلى من الجنة، حياتنا وأرواحنا رخيصة في سبيل ما نطمح إليه.
برأيك، ما هو المصير الذي ينتظر الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي؟
إن شاء الله لن يتمكنوا من الرئيس الشرعي للبلاد، سيسقط هذا الانقلاب، وأظن أن سقوطه سيكون وشيكاً بهذه الأفعال الحمقاء التي تهوي بهم يوما بعد يوم.
تم تتويجك من طرف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي”الأم المثالية” لمصر لهذا العام، كيف استقبلت هذا التتويج؟
طبعا كل التقدير لمن قام بذلك، هم جميعا أبنائي بعد أولادي الذين حُرمت منهم، وأنا أفتخر بكل شاب حر، وكل فتاة حرة. كل الثوار الأحرار في الشوارع والميادين هم في قلبي وعلى رأسي، دائما أقول لهم وبصدق: أنتم المستقبل المشرق، أنتم من ستحملون الراية، ونحن وراءكم، أودّ أن أقبّل رأس كل واحد منكم، وأقول لهم دائما أنني حُرمت من أسرتي الصغيرة، ولكن الله أبدلني بأسرة كبيرة هي كل الأحرار في مصر، لذلك أشكرهم، وهناك أمهاتٌ مصريات فضليات مثلي كثير يستحقن أن يكنّ أمهات مثاليات بحق.