-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اكتشافُ إفريقيا من جديد

عمار يزلي
  • 3599
  • 0
اكتشافُ إفريقيا من جديد

ما يحدث على الصعيد العالمي من أزمات وصراعات وحروب وعودة إلى التكتلات والبحث عن الموارد الجديدة في ظل أزمة الطاقة وأزمات التوريد وتقلص الموارد، صارت القارة الإفريقية اليوم وجهة مطلوبة لدى الجميع، وهي القارة التي بقيت إلى غاية الساعة “البقرة الحلوب” التي تدرّ اللبن بأقل ثمن، ومن دون عناء ولا تغذية ولا تأمين.

خلال خمسة قرون، عاشت إفريقيا تحت نير الاستعباد، سوقا للنخاسة باتجاه القارة الجديدة شمالا وجنوبا، إما عبر بريطانيا أو مباشرة من الساحل الغربي للقارة الإفريقية، ولم تبدأ في رفض هذا النير الاستعماري إلا مع بداية حركات التحرر الوطنية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، معتمِدة على المعسكر الاشتراكي والشيوعي.

وهاهو التاريخ يعيد نفسه بعد أن هيمن الغرب الأوربي والأمريكي لفترة على العالم ومنها القارة الإفريقية والدول المستقلة عن الاستعمار القديم لتسقط في الاستعمار الحديث. منذ نحو 30 سنة، ومع انهيار القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية النافذة، التي هي الاتحاد السوفييتي، انهارت معظم الدول المستعمَرة سابقا هي الأخرى إما بسبب فساد السلطة أو طغيانها واستبدادها وبقائها في الحكم أطول مدة من دون إصلاحات سياسية واقتصادية، تسقط تباعا عبر انقلابات أو على أيدي القوى الجديدة الصاعدة المدعمة من طرف القوى الاستعمارية السابقة لها، مما جعل كثيرا من هذه الدول بسبب أزمات داخلية تسقط في الفوضى والحروب الأهلية والاضطرابات، انتهى المطاف بها لتصبح لقمة سائغة من جديد في فم المستعمر القديم.

اليوم، وبعد أن عاد الدم القديم يسري في شريان القوة المناهضة للاستعمار، بدءا من عودة روسيا إلى بداية عهد القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، جنبا إلى جنب مع قوة الصين الاقتصادية كقوة أولى مستقبلا، صارت كل الطرقات وكل الأعين مُصوبة باتجاه العالم السابق الذي استعاده الغرب كما استعاد كثيرا من دول المعسكر الاشتراكي كغنيمة للحرب الباردة.

الصين تبدأ في غزو العالم اقتصاديا، وإفريقيا هي أكبر وجهة لها في العالم الثالث. تبحث الصين عن تطوير ذاتها مع تنمية القارة وإحيائها اقتصاديا بعد أن دمَّرها التخريب المنهجي والإرهاب والاستعمار وسنوات الإفقار والتجهيل والفساد. روسيا أيضا تدخل على الخط، وتبدأ في مقارعة النفوذ الفرنسي والأوربي في مستعمراته القديمة: إنها حركة تحرُّر جديدة ترتسم في إفريقيا بدءا من الشمال الإفريقي وتحديدا من الجزائر ومصر وليبيا. ثلاثة مشاريع طرق كبرى نحو أدغال إفريقيا مبرمجة منذ فترة: القاهرة جنوب إفريقيا شرق، ليبيا وخط عمودي باتجاه جنوب إفريقيا، فالجزائر وخط آخر عبر “لاغوس”، ثم مشروع “خط القاهرة داكار” الذي يمرّ عبر المغرب العربي الكبير، ثم عن طريق المغرب باتجاه الصحراء الغربية فموريتانيا فالسنغال باتجاه إفريقيا الغربية جنوبا. هذا الخط الذي اصطدم بعائقين: الحدود البرية الجزائرية المغربية المغلقة وأيضا مشكلة الصحراء الغربية، التي هي أمُّ المشاكل والعائق الأكبر في وجه أيِّ مشروع على القارة، كون أي تغلغل في إفريقيا في أقصى الغرب على الساحل الأطلسي، لن يمرَّ إلا عبر الصحراء الغربية ومعبر “الكركرات” مع موريتانيا: هذا المعبر اليوم غير شرعي كونه يربط موريتانيا مع الصحراء الغربية لا مع المغرب.

طريق “الحرير” الصيني هو خامس مشروع اقتصادي عالمي من شأنه أن يدخل في تنافس مع الخطوط التجارية الأخرى، إما عبر البحر الأحمر فالساحل الجنوبي للبحر المتوسط باتجاه جبل طارق فالمحيط الأطلسي أو عبر إسبانيا. غير أن مشكل الصحراء الغربية سيبقى دوما الصخرة الكأداء في وجه أي مشروع باتجاه القارة المكتشَفة من جديد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!