الرأي

الآن يا شعب الجبّارين

حسين لقرع
  • 2489
  • 2

من حسن حظ الشعب الفلسطيني أنّ مشروع محمود عبّاس لإقامة دولة فلسطينية لم يحظ بأغلبية تسعة أصوات المطلوبة لتمريره؛ فهذا المشروع يتضمّن تنازلاتٍ خطيرة كانت ستُفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفشله أفضل لها.

لقد عدّل عبّاس مشروعه ثماني مرات كاملة حتى تكون صياغته أقرب إلى ما يعتقِد أنه استجابة للشروط الصهيونية والأمريكية، وقدّم فيه تنازلاتٍ تخصّ القدس واللاجئين وحدود 4 جوان 1967، بأنْ صاغ اقتراحاته حولها بعبارات مطاطية قابلة للتأويل وأخضعها لموافقة الجانب الصهيوني، ومع ذلك لم يحظَ المشروع الانبطاحي برضا أمريكا وصوّتت ضده، وضغطت على نيجيريا لسحب تأييدها له، في حين أعلن نتنياهو أن القدس ستبقىالعاصمة الأبدية الموحّدةلما سماهإسرائيل، ووصف فلسطين بـالكيانوليس بـالدولة، فهل يستخلص عباس الدرس هذه المرّة؟

وربما كان ردُّ عباس على مهزلة مجلس الأمن المُنحاز للصهاينة، بتوقيع 20 اتفاقية دولية، ومنها الجنائية الدولية، خطوة صحيحة، لكنها غير كافية؛ فهي لا تحرّر أرضاً ولا تعيداً حقا مغتصَباً، ولا نتوقع أن تُصدر هذه المحكمة مذكرات توقيف بحق مجرمي الحرب الصهاينة الذين قتلوا الآلاف من الأطفال في غزة، وإن صدرت فلن تُنفّذ ولن يُقبض على أحدٍ منهم، لأنها مجرّد أداة أمريكية غربية كمجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.

نأمل أن يرفع عباس سقف تحدّيه ويعلن وقفالتنسيق الأمنيمع الصهاينة، وليترك المقاومة تضرب في الضفة، والشعب ينتفض ضد الاحتلال، أما إذا رفض هذا الخيارَ أيضاً وأبى إلا مواصلة استجداء الصهاينة بلا طائل، فلن يبقى أمام سكان الضفة سوى أخذ زمام الأمور بأيديهم والانتفاضة ضد الاحتلال والسلطة معاً.

وإذا نفذ نتنياهو تهديده بحل السلطة الفلسطينية قريباً، فسيقدّم للفلسطينيين خدمة جليلة؛ لأن الصهاينة آنذاك سيجدون أنفسهم وجهاً لوجه معهم، دون أن تتدخل شرطة دايتون لقمعهم بأمر من عباس نفسه.

العدوّ يريد ابتلاع فلسطين كلها وتهويدها وطمس هويتها، والرد المناسب هو الكفّ عن استجداء الصهاينة المغتصِبين لقبول قيام دويلة فلسطينية هزيلة ضعيفة على خُمس أراضينا، وترك الباقي لهم، بل ينبغي تركيز كل الجهود على كيفية تحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر ولو بعد عشرات السنين من الآن وطرْد شذاذ الآفاق ليعود كل منهم إلى الموطن الذي جاء منه.

 

صحيحٌ أن ميزان القوى مختلّ بشكل صارخ للعدوّ الذي يملك ترسانة عسكرية جبّارة ويحتلّ المرتبة الـ11 عالمياً في التسلّح، لكن على الفلسطينيين أن لا ينسوا كيف تحرّرت الجزائر من فرنسا بعد قرن وثُلث قرن كامل من الاحتلال. المهمّ أن يتوقفوا الآن عن مسلسل التنازلات المجّانية، والمفاوضات الماراطونية العبثية، والمراهنة على الأمم المتحدة المنحازة للاحتلال، وليعودوا إلى مشاغلة العدوّ بالمقاومة، ريثما تغيّر الشعوبُ العربية والإسلامية ما بنفسها وتتحرّر من استبداد أنظمتها في قادم الأيام وتشارك في معركة التحرير واستعادة الأقصى، ودوام الحال من المحال.

مقالات ذات صلة