-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأثافي الذي أغضبت الرئيس

عمار يزلي
  • 2507
  • 0
الأثافي الذي أغضبت الرئيس

ثلاثة مكسِّرات للرأس، كادت أن تُخرج الرئيس عن أطواره في اجتماع مجلس الوزراء الأخير حسب ما لمّحت إليه وكالة الأنباء الجزائرية في إشارة لها إلى نبرة رئيس الجمهورية الغاضبة بشأن ثلاثة أحجار عثرة تقف أحيانا في طريق رئيس الجمهورية لتنفيذ تعهداته والتزاماته مع الشعب قبل انتخابه رئيسا للجمهورية وبعده.

ثالوث أقلّ ما يقال عنه إنه من تركة الممارسات الماضية والذهنية والعقلية المتحجِّرة التي لم تفهم ولم تستطع أن تكون في حجم التحديات الجديدة ومواكبة السرعة التي يمشي عليها أو تلك التي يريد أن يسير عليها الرئيس: التأخر والتقاعس، مرض البيروقراطية، وقلة الدقة وضعف الفعالية.

ما لاحظه رئيس الجمهورية الذي يتابع كل صغيرة وكبيرة عبر هياكل الدولة والحكومة والتقارير الإخبارية، ولكن أيضا عبر وسطاء الجمهورية الذين يمثلون أقرب طريق للرئيس وأكثر تمثيلا وصدقا للصوت غير المسموع، هو أول “ثلاثة الأثافي”، ذلك “الحجر” الموضوع بين العجلات وبين الدواليب: التأخر في بعض الإنجازات، وتقديم مشاريع طويلة أمد الإنجاز من طرف بعض القطاعات الوزارية، لاسيَّما في الأشغال العمومية بما فيها الطرقات والسكك الحديدية والمناجم، والتي يعوِّل عليها الرئيس أساسا في تجسيد برنامج الإقلاع الاقتصادي، لا بل تسريع وتيرته بشكل متزايد وبأكبر سرعة ممكنة.

في هذا الوقت بالذات، يسمع الرئيس بتقارير تتحدَّث عن مشاريع طويلة وثقيلة وتقريبية بدون أرقام دقيقة، فضفاضة، ضبابية، وهو الذي يريد، كما قال سابقا، سرعة أكبر ودقة وأرقاما حقيقية، بدون مناورات ولا لف ولا دوران، فهو يرى أن الجزائر قد أضاعت من الوقت ما أضاعت وأهدرنا من الوقت في “الهدرة” ما أهدرنا وقد حان الأوان للعمل وبالسرعة القصوى.

ثاني الأثافي هي سوء الاستيعاب أو غباء بعض المسيرين الإداريين على المستوى المحلي ممن لم يستوعبوا الفلسفة التي يسير عليها برنامج الرئيس، وهي حرص الرئيس على راحة المواطن: المواطن كرهان أساسي ومركزي في صلب اهتمامات كل المشاريع التي أطلقها سواء في برنامجه الانتخابي أو في ميدان التجسيد والعمل والوفاء بالوعد والعهود، فهو من طيبته “الوفاء بالعهد” للشعب وللشهداء، ولا يريد غير ذلك. غير أن البعض ممن تربوا في تربة البيروقراطية الزائفة المتحجرة، لا يزالون يقدسون “الأوثان” وقوانين بلا روح أنتجتها البيروقراطية الجامدة وصار البعض يقدسها ويعبدها ويطبقها كما لو كانت قرآنا، لا بل أكثر، فقد يفسرون القرآن ويؤوّلونه بما تهوى أنفسهم: فلقد كان الأعراب قبل الإسلام يرتحلون، وحين يقيمون، أول ما يبحث عنه الأعرابي في كل إقامة، عن أربعة أحجار: ثلاثة يضعها تحت القِدر وتسمى الأثافي الثلاثة، والرابعة يعبدها كصنم، ثم يترك صنمه وأثافيه الثلاثة ويرحل إلى جهة أكثر عشبا وهكذا دواليك.

بهذه الذهنية عششت البيروقراطية، التي لا روح إبداع وتفكير فيها: طريقة تسيير روتينية معطٍّلة للمسار، مثبِّطة للعزائم محبِطة للتطلعات، لهذا يصبح التسلط والهيمنة عنوانا لقراءة مطلب الرئيس بفرض هيبة الدولة. فُهِم هذا المبنى بهذا المعنى: الظلم والتسلط وتنفيذ القانون بلا شفقة ولا رحمة، ولو كان بهدم المنازل وتسويتها بالأرض بعد أن استُكملت وأنجزت، بدون مراعاة للفصل الذي نحن فيه. تحطيم ممتلكات المواطنين الذين بنوها بعد عناء يحيلنا إلى ممارسات كيان ما كان ليكون. ما كان هذا ليكون لو كانت الرقابة من البداية، كما حصل مع المشاريع التي عُطّلت لسنوات بسبب مشكل عدم مطابقة، وهذا هو ثالث أثافي “القِدْر”، إن لم يكن رابعَها، الصنم المعبود يوما والمتروك دهرا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!