-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأخضر والرمادي

الأخضر والرمادي

إن صح ما يقوله بعض المحسوبين على علم الفلك أو المناخ، من أن أوروبا ستعرف جفافا لا يقل عن الجفاف الذي ضرب الصحراء العربية منذ عشرات القرون، وبأن بعض صحاري المنطقة العربية، بما فيها ما يسمى بالربع الخالي، ستتحول إلى أنهار وأودية وأدغال، فإننا سنكون قد بلغنا فترة فارقة في الحياة الدنيا، حيث يتأكد بأن الدنيا بكل ما فيها دواليك، وليس في دورة الحروب والاقتصاد والعلم فقط.

لقد سقط العالم بالضربة القاضية أمام وباء كورونا، حيث قارب تعداد الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية فقط المليون ومائة ألف ضحية، بضربة معلم من فيروس مجهري، ظن الناس بأن أمريكا التي يفوز أطباؤها في كل سنة بجوائز نوبل في الطب، والتي بلغت القمر والمريخ، محمية من الأمراض الفتاكة فإذا بها تئن تحت ضربات الفيروس المجهري، مثلها مثل أصغر وأفقر دولة في العالم، بل وأكثر منها، وها هو التحول المناخي يدخل الرعب في أوروبا وفي بريطانيا على وجه الخصوص إلى درجة أن أحد المسؤولين في البلاد التي “لا تغيب عنها الشمس”، اقترح تجريم كل بريطاني يقتني أكثر من قارورتي ماء معدني.

تعامل الغرب مع بقية الشعوب بسادية لا مثيل لها، وبثقة بالنفس، جعلت بعض الناس يظنون بأن هذه البلاد قادرة على أن تقول للشيء كن، فيكون، وبرغم طعنة الفيروس المجهري وهذا المناخ المتقلب الذي جفف الأنهار، التي كنا نأخذ صورا أمامها، كلما عرجنا إلى بلاد أوروبا، وأجرى صحراء الحجاز أنهارا، وكنا نشعر بالإحباط  كلما ذكرنا الربع الخالي، إلا أن بلاد الغرب مازالت تظن بأنها قادرة على تسيير العالم كما تريد، وبعض الشرق مازال يؤمن بأن الشمس لا تشرق ولن تشرق إلا من الغرب.

لقد عشنا مأساة كورونا سويا، في عالم اتضح بأن لا أحد أحسن فيه من الآخر، وبأن الذين يزعمون العلم والتكنولوجيا والذكاء، لن يأتوا من العلم إلا قليلا، وقد نعيش التغير المناخي الكبير، الذي يحوّل الصحراء إلى الجهة الشمالية للبحر المتوسط، ويحوّل الأنهار والمروج الخضراء إلى الخليج وصحراء الجزائر، ولا نعلم كيف سيكون مصير الإنسانية التي ارتبط التطور فيها دائما بالبلاد الباردة أو المعتدلة المناخ، والتأخر بالتي لا تعرف تساقطا للأمطار. وقد يعود العالم أيضا إلى عصور لا تختلف عن العصور الحجرية، ليبدأ ولادة الحضارة من جديد، فلم يحدث وأن بقي القوي قويا مدى الحياة، ولم يحدث وأن سكن الضعف الضعيف مدى الحياة، لأنها هكذا الدنيا تدور، والمتصفح للكثير من الأحداث العالمية، يلاحظ بأن الولايات المتحدة الأمريكية وبلاد الغرب ما عادوا يثقون في أنفسهم، فكيف نثق نحن فيهم إلى الحد الذي جعل بعضنا يظن بأن لا خير ولا ذكاء سوى هناك، ولا شرّ ولا غباء إلا هنا، وإذا تغيّرت مواقع الأخضر والرمادي، فلا يمكننا سوى أن نغير آراءنا، تماما كما غيّرت كورونا مواقع الخوف، وكما غيّر المناخ خارطته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!