-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأكل من “رأس المال”

الأكل من “رأس المال”

بلغ سعر النفط في التعاملات الأخيرة، حدود الخمسة وثمانين دولارا، وهو ما يعني بالمختصر غير المفيد، طعنة دامية في ظهر ما يسمى بالاقتصاد الجزائري، الذي تم اختصاره في جوانبه الاجتماعية، أو ما اعترف الجميع بتسميته بمعركة السلم الاجتماعي، الذي جعل الشعب من الأستاذ إلى الشرطي، مجرد مادّ ليده طلبا لرفع مرتباته والاستفادة من المنح والسكنات، وجعل الدولة عبارة عن حالب لأضرع النفط ومنح أموالها من دون أي تخطيط، اللهم إسكات الملايين من المحتجين، حتى صارت لا تعلم يمينها بما تنفق شمالها من دون أن تكون من الذين أظلهم الله في ظله.

لا تختلف حتى السلطة معنا في أن ما يحدث حاليا، هو دليل عن عجزها عن التعامل مع هاته الحركات الاجتماعية التي تسببت فيها عندما حرصت على أن تصنع مواطنا اتكاليا، لا يهتم إلا بجهازه الهضمي، وأن تصنع من نفسها بنكا لا يطبع سوى الأوراق المالية، فتحرّك البطالون ليس من أجل الوظيفة والعمل وإنما من أجل المناصب المالية التي تمنح لهم في عقود ما قبل التشغيل وهي في حقيقتها من دون تشغيل، وتحرك الأساتذة ليس من أجل تطوير قدراتهم العلمية ورفع مستوياتهم البيداغوجية التي بلغت الحضيض، وإنما من أجل رتب مالية، وأخيرا تحرك رجال الأمن من أجل مرتبات عالية، لا تنزل عن مرتبات الأطباء، في الوقت الذي لا يخفى على أحد انهيار التعليم والصحة وارتفاع نسبة الجريمة في بلد ظل يطفئ هاته الاحتجاجات بمدّ يده نحو الفوائد الربانية، التي منّت بها أسواق النفط في عهد ما فوق المئة دولار للبرميل الواحد، وهو مجبر الآن على مدّ يده نحو رأس المال ما دامت الحلول غير موجودة، ومادام غالبية الشعب قد أصيب بوباء الطلب من دون أي مقابل.

المشكلة أن رأس المال أيضا، معرض للنضوب لأن بلوغ الاحتجاجات تخوم رجال الشرطة الذين تناغموا على مدار السنوات الثلاث السابقة مع الاحتجاجات، سيجعل الكثير من القطاعات الصامتة، تستغل فرصة تواجد سلطة “السمع والطاعة” أو “مطافئ لهيب السلم الاجتماعي”، ليطالبوا هم أيضا بنصيبهم من رأس المال المتبقي، وقد لا يجد هذه المرة أي محتج من يردعه، لأن الفاعل السابق هو أيضا في دائرة المحتجين، وحينها سيبلغ الوضع درجة خطورة غير مسبوقة بعد أن يستفحل وباء الاحتجاج ولا تجد السلطة أمصالا وأدوية كانت تعصرها من أضلع النفط، خاصة وأن السنوات السابقة بينت بأن كل الأدوية التي استعملت مع مختلف الاحتجاجات لم تعط أي نتيجة، بدليل أن الأساتذة مازالوا يطالبون بمزيد من الامتيازات برغم رضوخ السلطة لغالبيتها، والحراس البلديون مازالوا يطالبون بمزيد من الامتيازات بالرغم من التنازلات السلطوية، فالتاريخ يشهد دائما على أن المواطن، كلما شعر بضعف الدولة حاول أن يركبها، وهو لا يختلف عن الملاكم الذي يريد إنهاء منازلته من الجولة الأولى بالضربة القاضية رغم أن الذي يظن نفسه قد انتصر في هذه الحالة، هو الخاسر الأول بضربة لا تبقي ولا تذر؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • سارة

    لقد فتحت كل الجروح في مرة واحدة يا عبد الناصر . و لكن هل من طبيب ؟ لن نقول أين الرئيس من كل هذا لان ظروفه الصحية .....و لكن أين الوزاراء و المسؤولين ...؟

  • nabil

    في الجزائر هناك انبوبان انبوب حاسي مسعود لبيع البترول و الانبوب الهضمي للشعب

  • جزااااحقةاااائررررية

    الله يحفظ البلاد والعباد ويهدينا أجمعين.