-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الألعاب المتوسطية وجدوى اللعب

عمار يزلي
  • 1650
  • 0
الألعاب المتوسطية وجدوى اللعب

لماذا أعطي كل هذا الزخم الإعلامي والسياسي لحدث رياضي بحجم الألعاب المتوسطية رغم أنها مجرد ألعاب إقليمية؟

هذا السؤوال ما كان ليطرح قبل اليوم، أو لنقل قبل سنة أو حتى سنتين، ذلك أن ألعاب البحر الأبيض المتوسط بعد نسخة مدينة طاراغونا بإسبانيا عام 2018، والتي أُجلت لسنة بعد أن كان من المفروض أن تقام سنة 2017، كادت أن تعصف بهذه الألعاب بسبب جائحة كورونا فيما بعد، لكن قبلها، بسبب تململ بعض الدول الإقليمية وخاصة دول الشمال وحتى دول الجنوب، بسبب تقديرات مالية بدت لهم وكأن الألعاب غير مجدية اقتصاديا لحجم المشاركة وطبيعة الدول المشاركة. حتى نسخة طاراغونا، بدت إلى حد ما على حافة التقلبات بين التأجيل والإلغاء بسبب الضائقة المالية التي كانت تعانيها المدينة الكتالونية بسبب الظروف السياسية التي مرت بها منطقة كتالونيا وقتها، مدينة لم تكن بحجم المدينة الكبيرة، لكنها كانت تحوي مرافق رياضية مكنتها من نيل شفاعة المحافظة المتوسطية.

تكمن أهمية الحدث الذي ينطلق اليوم السبت، في كونه أول دورة رياضية إقليمية تنظم خارج العاصمة، ذلك أن كل التظاهرات السابقة نظمت في الجزائر العاصمة ومنها الألعاب المتوسطية لسنة 1975.

كما تكمن أهميتها الثانية في كونها أول حدث رياضي كبير في الجزائر بعد إغلاق شبه تام لكل الألعاب بحضور الجمهور منذ نحو ثلاث سنوات وما تبعه من شبه إغلاق سياسي وسياحي واقتصادي طيلة هذه المدة إلا قليلا منها، ومنها سنة كاملة من الحراك من أجل التغيير.

كل هذا تسبب في شعور عامّ وكأننا نعيش عودة إلى الحصار الأوروبي الغربي لنا سنة 91، وشبه عزلة تجد الجزائر فيها نفسها تحت ضغط كماشة الوضع الأمني المتدهور وقتها وبين كيد الدول المتوسطية المتهور.. وهذا من غير إيطاليا، تمثل في غلق العالم مجاله الجوي وحتى البري والبحري مع الجزائر لأسباب سياسية ذات ذرائع أمنية.

هذا الشعور الواقعي الذي عمّر نحو عشر سنوات، جعلنا ندخل في حالة أزمة أمنية متعاظمة وأزمة اقتصادية خانقة، ولكن أيضا أزمة ثقة بالنفس وشعور بالرضوض النفسية المتعاقبة والإحباط لدى الشعب الذي عانى ويلات المرحلة: ويلات الغلق القسري للحدود الجوية والبرية والبحرية.. بل وغلق حتى الأبواب ليلا.. والطرقات والشوراع أحيانا ما بعد السابعة مساء.

السبب الثالث في إعطائنا كل هذه الأهمية لهذا الحدث، وهو في نظرنا أهم سبب، يكمن في أن هذا الحدث، مع كل الأسباب السابقة، يمثل لدينا ولدى السلطة الجديدة في الجزائر ما بعد 2019، وما بعد سنة من الحراك والتأزم السياسي الناجم عن الجدل حول المرحلة الانتقالية وضرورة البقاء في الشرعية الدستورية أو الخروج عنها إلى ما سمي جدلا وقتها بـ”الشرعية الشعبية” أو “شرعية الشارع”، كل هذا يمثل لدى السلطة الجديدة التي تتبنى رؤية جديدة لجزائر جديدة، أن تعلن القطيعة في كل الأشياء مع العهد القديم، إذ يمثل هذا الحدث، عرس الجزائر الجديدة، بعد “أعراس الذئب” و”أعراس بغل”، طالما نظمناها تحت وصاية سلطة وطغم ناهبة للمال العام وفساد نخر البلاد على كل المستويات.

إنطلاق هذه التظاهرة اليوم من وهران، بعد فوزنا بالكأس العربية لكرة القدم. إنطلاقُ هذه التظاهرة المتوسطية اليوم بإشراف أعلى السلطات السياسية ممثلة في رئيس الجمهورية الذي أعطى منذ انطلاق التحضير لها، كل هذا أعطاها هذه الأهمية وهذا الدعم السخي. كما أن لغة العزم والحزم والقوة والإصرار لدى الرئيس، على تنظيم هذه الألعاب، زادت من بُعد هذه التظاهرة لتمثل تجاوزا لكل النسخ السابقة كما كانت ألعاب قطر تجاوزا لما سبق.

تنظيمٌ أصر الرئيس شخصيا على متابعة كل تفاصيله الكبرى ضمن توجه عامّ يكرس التجديد في كل الأشياء بدءا من القطيعة مع الماضي وآفات الماضي من نهب المال والفساد وشراء الذمم وتدليس وتزوير، مع عقلنة النفقات وترشيدها. هذا ما ستبرزه الأيام القادمة على أيّ حال، بعد انتهاء الحفل وبداية جرد الكشوف. وعليه نتوقع أن تكون هناك محاسبة كبيرة في نهاية هذه الألعاب، ليس فقط من حيث محاصيلنا من الميداليات، ولكن أيضا محاصيلنا من النفقات والمداخيل، وطبيعتها وطريقتها، ونتوقع أن ترفع رؤوس وتسقط رؤوس أيضا، “فالقْلايْلي لا ينسى هزّ الأكتاف” كما يقول المثل في الغرب الجزائري، لكن هذه المرة لن يمرّ أي عمل فاسد من دون حساب ولا عقاب.

رئيس الجمهورية الذي كان المؤطر الأول والأخير والضامن لنجاح تنظيم هذه الدورة، حرص على أن تكون أول زيارة عملية وتفقدية له داخل الجزائر إلى وهران بهذه المناسبة، دشن خلالها كبريات المنجزات وكبريات المشاريع المنجزة في هذا الإطار وخارجه.

مشاريع ضخمة رياضية بالأساس أنجزت خصيصا لاحتضان هذه التظاهرة الرياضية التي بالتأكيد ستنعش هذه الألعاب، وكما جلبت ألعاب طاراغونا لأسبابنا فيما بعد نحو 10 ملايين سائح، فليس غريبا أن تجلب وهران ملايين السياح على المدى المنظور المتوسط من هذه النسخة الـ19 من الألعاب المتوسطية التي ستتجاوز حتما كل النسخ السابقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!