الألم في الجزائر و”الدموع” في فرنسا
قضية اغتيال الفرنسي غوردال هي مأساة جزائرية، قبل أن تكون فرنسية، ومع ذلك تتبنى فرنسا الحزن وحدها، وتقوم بتفسير ما حدث على هواها، وتمنح القضية أبعادا أخرى، إلى درجة أنها أوحت إلى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بأن الجزائر لا تستطيع أن تنظم كأس أمم إفريقيا عام 2017 بسبب مقتل الرعية الفرنسي، بالرغم من أن السنة التي نظمت فيها فرنسا كأس العالم عام 1998 شهدت مقتل أكثر من عشرين شابا مهاجرا من كل بلاد العالم، بمن فيهم شابان من أصول جزائرية. وقضية مقتل اللاعب الكامروني إيبوسي هي مأساة جزائرية قبل أن تكون كامرونية، ومع ذلك يتبنى الأفارقة الحزن ويندب الكامرونيون ابنهم وذلك من حقهم، وهم يعلمون بأن الحجرة التي أصابت رأس إيبوسي لم تكن تهدفه هو، بينما الكامرونيون الذين يقتلون ويشردون بالميز العنصري والأحقاد في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى في الدول الإفريقية الغنية مثل الغابون وجنوب إفريقيا إنما هم مستهدفون مع سبق الإصرار والترصد.
الإحصاءات تؤكد بأن عدد الأجانب الذين يُقتلون في فرنسا، ومن كل الجنسيات، يفوق عدد الأجانب الذين يقتلون في الجزائر، وشهدت فرنسا في عام 2013 مقتل ما لا يقل عن ستة جزائريين على أراضيها، لأسباب مختلفة، ومع ذلك لم نسمع عن بيانات خارجيتنا تحذر من زيارة هذا البلد الشمالي، بالرغم من أن القتل، سواء لأسباب نفسية أم عنصرية أم اجتماعية أم إرهابية، هو واحد، بينما تصبح الجزائر بلدا غير آمن في كل مناطقه، لا يصلح للسياحة ولا للاستثمار، ويصبح مواطنوه مصدر خطر على الأوروبيين في مطارات العالم. وللأسف فإن تعامل فرنسا مع الجزائر بهذه الطريقة بقي هو نفسه، برغم تغير رؤساء البلدين والسياسات المتبعة وحتى الظروف العالمية، على طريقة تحويل الدمعة إلى شلال من الهموم، إذا تعلق الأمر بمواطن فرنسي، واحتكار الحزن بطريقة غريبة توحي بأن بين البلدين حربا، وتوحي أيضا بأن الذي يُقتل في الجزائر، إنما قتلته الدولة الجزائرية والشعب الجزائري قاطبة، بمن في ذلك لاعبو كرة القدم الذين يجب معاقبتهم ولو بسحب كأس أمم إفريقيات لكرة القدم من تحت أقدامهم.
قد يكون الخطأ في السلطة الجزائرية وأيضا في المواطنين الجزائريين الذين سمحوا لغيرهم بالتطاول عليهم، وبمحاولة حرمانهم حتى من حق الحزن على لاعب كرة كامروني، اختار الجزائر لكسب قوته، أو مواطن فرنسي اختار الجزائر لممارسة هوايته، فقد قُتلت حاجة جزائرية شابة في البقاع المقدسة، وقتل عامل جزائري في ليبيا، وهلك جزائريون ظلما وعدوانا في إيطاليا وكندا وإنجلترا وخاصة في فرنسا، بل إن أكبر بطل رياضي عرفته الجزائر في عالم الملاكمة، حسين سلطاني وهو الوحيد الذي أحرز للجزائر ميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية في أطلنطا، وجد مقتولا في مارسيليا، ولكن الجزائر تعاملت مع هذه الأحداث المؤلمة ببعدها الاجتماعي، من دون أن تعتصر الذاكرة التاريخية، وتخوض في الدين وفي نفسية الآخر، لأن القتل جريمة إنسانية، لم يحدث في التاريخ وأن حاسب القاضي والد أو شقيق الجاني أو حتى استدعاه كشاهد أو كدليل إثبات كما تفعل فرنسا أو تحاول فعله.