الشروق العربي
وتلغي تدريجيا هيمنة المنتجات المستوردة

الأيادي الناعمة تستلم سوق الألبسة الجاهزة من الرجال

نسيبة علال
  • 1903
  • 3
ح.م

دخلت الجزائريات في السباق العالمي السريع للموضة، واستطاعت في ظرف سنوات قليلة، أن تتخلى عن الحايك والألبسة التقليدية، لتنافس العربيات والأمريكيات وحتى الأوروبيات فائقات الأناقة، في ذوقهن الرفيع في اختيار قطع الثياب، لكن الجزائرية ظلت رهينة القوى الخشنة التي تفرد بسطتها على سوق اللباس في الجزائر وتفرض عليها ما ترتديه حسب ما يتماشى مع طلبات السوق سواء بما يجلبه هؤلاء التجار من الصين وتركيا وبعض الدول الأوروبية، أم ما يفرضه عليها أصحاب ورشات الخياطة الكبرى بحيث قليلا ما يبدعون فيركزون فقط على الألبسة المقلدة.

الوضع هنا لم يعد يروق للجزائريات خاصة أن السباق يزداد سرعة، فقررت العديد من السيدات اقتحام سوق الملابس الجاهزة وتلبية حاجة شقيقاتهن من بنات حواء وهنا انقلبت المعادلة. فمنذ الاستقلال، إلى قرابة ثلاث إلى أربع سنوات خلت كان الرجال يمتلكون السطوة ويقررون ما ستلبسه المرأة ذلك الموسم وما بعده. أما اليوم، فالنساء هن من بتن يقررن وانطلاقا من ورشات منزلية باتت تُحَدد موضة الحجاب والجلباب وغيرها من الملابس الجاهزة لتخرج إلى السوق مزيحة من طريقها كبريات الماركات العالمية.

ورشات منزلية تتحدى مصانع الصين وتركيا الدعم المقدم من قبل الدولة، على شكل قروض للحرفيات، والإرادة الفلاذية التي اكتسبتها السيدات الجزائريات بعدما مهدت طريق التميز أمامهن والكثير من العوامل الأخرى جعلت الخياطات البسيطات اللواتي كن يرتزقن في ما مضى من تلبية طلبات بعض الزبونات الوفيات يحولن ورشاتهن المنزلية الصغيرة إلى خلايا إنتاج تغطي السوق.. ومع تزايد الطلب على منتجاتهن كلما توفرت الجودة والإتقان، أعيد تقسيم الأدوار تدريجيا وعاد المتحكمون في سوق الملابس الجاهزة من الرجال إلى محلاتهم، فيما باتت تمونهم النساء بخيرة القطع ذات الجودة العالية. وتحولت الصفقات تدريجيا كذلك من الاستثمار في ملابس مستوردة إلى الاستثمار في العنصر البشري، وتحديدا في تشغيل السيدات الماكثات في البيوت اللواتي يتقن هذه الحرفة ويبدعن فيها وإقحامهن في سياسة النهوض بالاقتصاد الوطني. وهو ما بات يدر ملايين الدينارات على ورشات منزلية في أماكن داخلية بعيدة كل البعد أحيانا عن مراكز النشاط الكبرى.

منتجات بهوية جزائرية

المميز في اتجاه أسماء وحورية وكنزة وأخريات من سيدات الأعمال الجزائريات إلى الانتاج المحلي، أنهن قدمن لسوق الملابس الجاهزة قطعا بهوية جزائرية ومواصفات جودة عالمية تنافسية.. فلم يعد مفروضا حسب أسماء أن ترتدي المرأة مكرهة وفق الخيارات القليلة المتاحة لها كل موسم: “اختياري مجال ألبسة المحجبات جاء بعد سخط كبير وقعت فيه ولاحظت أن الكثيرات يبدينه عند نزولهن إلى السوق. ذات الموديلات المتداولة التي لا تعبر عن هويتنا ولا تعكس ثقافتنا قادمة من خلف البحار. وحتى المحلية ليست سوى نسخة طبق الأصل أنجزتها أنامل رجالية لا تعرف متطلباتنا”. أما كنزة 40 سنة من البليدة فقد استلمت مهنة تصميم الألبسة الجاهزة من زوجها بعدما وجدت أنه يقوم باقتناء قطع صينية وتفكيكها ثم إعادة حياكة قطع أخرى بنفس المواصفات. تقول كنزة: ” أصنع حاليا، رفقة فريقي من السيدات نحو مائتي قطعة يوميا خاضعة لمعايير المرأة الجزائرية ودينها وثقافتها وتغطي منتجاتي حاجة زبونات بإحدى عشرة ولاية. فيما يقبل زوجي على عملية التسويق فقط..”. أما حورية سيدة خمسينية فتمتلك محلات بكل من العاصمة ووهران والمدية والبليدة فقد بدأت مسيرتها التجارية كمستوردة ملابس جاهزة، وعندما التقيناها بأحد محلاتها الكبرى أخبرتنا أنها مرت بمرحلة أخرى كانت تجلب منتجاتها من ورشات خياطة كل أصحابها من الرجال، أما اليوم تقول حورية: ” في غضون سنتين فقط، أصبح كل المتعاملين الذين يزودونني باللباس من السيدات اللواتي أسسن علامات محترمة وأثبتن منتجاتهن في السوق بفضل الجودة والإتقان والالتزام في العمل”.

مقالات ذات صلة