الرأي

الإدمان على الكرسي

الدكتور محمد البهي ـ وزير الأوقاف المصري في الستينيات ـ كان يتسم بالرجولة، ويتحلى بالمروءة، ويتخلق بالعفة، ومما يروى عنه أنه عندما عين وزيرا من غير طلب منه، ولا سعي إلى المنصب، ولا “تكالب”عليه، ولا نفاق، ولا تملق، ولا تزلف، ولا تلهف، ولا تلقف…. أخذ معه إلى الوزارة كرسيا خشبيا عاديا، مما جعل الموظفين في الوزارة تعلو وجوههم الدهشة، وتعقد ألسنتهم.

بعد مدة سأل أحد المسؤولين الوزير عن سر هذا الكرسي الخشبي الذي احتل مكان الكرسي الوثير. 

تبسم الدكتور محمد البهي من سؤال ذلك المسؤول، وقال له: يقال إن هناك علاقة حميمية تنشأ بين الكرسي والجالس عليه، ولهذا نقرأ ونشاهد أن أكثر الجالسين على كراسي المسؤولية من شيخ البلدية إلى رئيس الجمهورية يصبحون”عبادا” لهذه الكراسي التي يجلسون عليها، ولا يبغون عنها حِوَلا ولا بغيرها بَدلا، ويتوسّلون للبقاء عليها بجميع الوسائل غير الشريفة، وغير النظيفة، وغير العفيفة، و يمرغون وجوههم في…..، حفاظا على تلك المواقع ولو بلغوا من الكبر عتيا، ووهنت عظامهم، وضعفت قواهم، وتقوّست ظهورهم، وارتجفت أيديهم، واصطكت أسنانهم، وسال لعابهم، وثقلت أسماعهم، وتلعثمت ألسنتهم و… و….. و..

لهذا ـ يقول الدكتور محمد البهي ـ : جئت بهذا الكرسي الخشبي حتى لا ألف الكرسي الوثير، وعندما تنتهي أيامي في الوزارة آخذ كرسيي معي، إضافة إلى أن هذا الكرسي ثابت وغير دوار….

إن تعلق كثير من الناس بالكرسي هو الذي أورد بلداننا العربية هذا المورد …. فقد تشبث به هؤلاء الذين تسموا بالرئيس (مثل الأسد وابنه، والقذافي، وصدام، وعلي صالح، وبن علي….)

ويبدو أن الأخ بوتفليقة يود أن ينافسهم في طول البقاء في الكرسي الذي قضى فيه خمس عشرة سنة ثم يطمع أن يزيد إلى أن يأتيه ـ بعد عمر طويل ـ ملك الموت الذي وكل به. 

لقد اعتبر الإمام محمد البشير الإبراهيمي ـ رضي الله عنه ـ “هذه الكراسي عاملا قويا في إفساد الرجولة والعقيدة والدين، وإمراض العزائم والإرادات، وفيها من معاني الخمر أن من ذاقها أدمن، وفيها من آفات الميسر أن من جربها أمعن، … ويح للأمة الجزائرية من الانتخاب، وويل للمفتونين به من يوم الحساب”. الآثار.ج3.ص344.

إن هذا التكالب كما سماه الأخ بوتفليقة يدفعنا بعد أن سمعنا ما سمعنا، و رأينا ما رأينا جعل الشرفاء، والوطنيين الحقيقيين الذين لم يسرقوا، ولم يزوروا، ولم يرتشوا… يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا على الجزائر من أن يعبث بها وبمستقبلها الذين سمعناهم ورأيناهم.

مقالات ذات صلة