الإرهاب “الناعم”
لا يمكن أن نصف هذا الطوفان من الجرائم البشعة، التي صارت تصنع يومياتنا بسوى كونها إرهابا اجتماعيا، بلغت فيه الجرأة على الجريمة، أن دخلت النساء مسرحه، ليس ككومبارس، وإنما كبطلات، والمؤلم أن هذا الإرهاب الخشن والناعم أيضا، طال كل مناطق الجزائر، من أقصى شرقها، حيث ذبح الجناة عجوزا وابنة أخيها في الطارف، إلى الغرب حيث قامت امرأة بقتل ابنتها وتقطيعها إلى أشلاء بمعسكر، إلى وسط البلاد بتيليملي بالعاصمة، حيث مزقت سيدة جسد أخرى وألحقت بها ابنتيها، ضمن انهيار آخر، لا يمكن أن نصفه بالحالة العادية والتي تحدث في كل بقاع الدنيا أو نتهم الصحافة بتضخيم ما يحدث، لأن القتل هو أبشع الجرائم ويكفي أن الله تعالى وصف قاتل النفس كقاتل الناس جميعا، أي أنه لا يختلف إطلاقا عن يوم الفناء.
اختلفت الدوافع بين الغيرة والسرقة والانتقام، ولكن المصيبة بقيت واحدة، والمحزن في الحكاية أن الحلول بقيت منعدمة. الجريمة تقع، والصحافة تكتب وتصوّر والمحقوقون يفكّون ألغازها والناس تقرأ وتتأسف، والمسلسل يتواصل.. وكل حلقة أكثر رعبا وإرهابا من التي سبقتها، بعد أن بلغنا الآن درجة انتقال السكاكين من الأيدي الرجالية الخشنة، إلى الأيدي الناعمة، في أخطر مراحل الانهيار الاجتماعي، ليس بسبب فظاعة الجرائم، وإنما بسبب فشل المجتمع والدولة في إيجاد الحلول.. إن لم نقل عدم اهتمامهما بالاجتهاد في إيجاد الحلول.
لقد كانت جريمة القتل حتى عن طريق الخطإ المصيبة الكبرى، على مدار العصور، وحرّمتها كل الأديان واعتبرتها أهول ما يمكن للبشرية أن تعيشه، فجاء القرار منذ القدم، على أن قاتل النفس، هو قاتل لجميع الناس كما ذكر القرآن الكريم: ((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)).
ثم بيّن الله جزاء القاتل في الدنيا والآخرة، من غضب ولعن وعذاب، لا تجاريه أي جريمة أخرى بقوله تعالى: ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)). وتبقى مصيبتنا في أن الله منحنا فرصة التعويض أو إنقاذ الذات والمجتمع، بقوله: ((ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا))، والإحياء هنا يكون بالنصح والردع والتربية والبذل لأجل أن تحيا النفس البشرية بعيدا عن القتل المعنوي والجسدي الذي تتعرض له الآن من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، والكل يتفرج في ما يشبه التورّط بالصمت القاتل.
لنفرض أن الصحافة بالغت في “التهويل” من هذه الجرائم التي يراها البعض عادية، ولنفرض أن المجتمع بالغ في “التخويف” مما هو قادم بعد أن صار القتل “مهنة” كل الفئات، ولنفرض أن ما يحدث مجرد قضايا منعزلة، وموجودة منذ عقود وفي كل بلاد العالم، ولكن تطور وتنوع الإعلام هو الذي طفا به إلى السطح..
لكن أين هي المشكلة لو “بالغ” أيضا الأئمة في التنبيه إلى مخاطر ما يحدث أو على الأقل قرؤوا وشرحوا هاته الآيات الكريمة؟ وأين هي المشكلة لو هوّلت السلطة في عمليات ردعها؟
سؤال بسيط وحرج جدا: هل التي قتلت ضرّتها وذبحت ابنتيها في تليملي، أقل خطورة من .. داعش؟