-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام عصيٌّ على الاستسلام

عمار يزلي
  • 760
  • 0
الإسلام عصيٌّ على الاستسلام
ح.م

الدين الإسلامي، الذي يراد له اليوم أن يكون فرنسيّا داخل فرنسا، كان يراد له أن يكون فرنسيا حتى خارج فرنسا. فرنسا كانت ولا تزال ترى في علمانيتها دينا عالميا يلغي الأديان وعلى رأسها الدين الإسلامي، لأنه عصيٌّ على الانصياع والتطويع: الدين الإسلامي ليس كنسيا يقبل بالمساومات و”حقوق الشواذ والزواج المثلي”، التي طالبت إحدى “النائبات” الفرنسيات مؤخرا الأئمّة بمباركتها، فكان رد فعل مسجد باريس مفحِما برغم لهجته المخففة.

هكذا تتعامل فرنسا مع أبنائها الجزائريين داخل فرنسا، كما تعاملت معهم في وطنهم. هي هكذا لم تتغير.

“الإسلام الجزائري” كان دائما ذلك الإسلام العالمي الإنساني الذي رفع رايتَه الأوائلُ، وناصره الأواخر بدءا من جمعية العلماء المسلمين تجاه العمل التخريبي العدائي لفرنسا في الجزائر. العمل التغريبي والتخريبي للإسلام على يد فرنسا المحتلة ولفرنسا اليوم، هو ما زاد في إعطاء الرفض الشعبي والمقاومة ضدها طابعَها القومي الوطني، تضاف إليها اللغة العربية -التي هي لغة القرآن- ليشكل هذا الثالوث عناصر المقوِّمات الوطنية للثورة الجزائرية في ما بعد، التي كانت أساسا ثورة فلاحين، أي ثورة أمَّة بكاملها، وإلا كيف نفسر ظاهرة دفاع الفلاح عن أرضه بكل الوسائل، وحتى في الأوقات التي أرغِم فيها على بيع أرضه للمعمِّر بـ110 إلى 500 فرنك للهكتار، كان الفلاح الجزائري يختار أن يبيع أرضه لأخيه الجزائري المسلم بـ58 فرنكاً فقط للهكتار.

هذا الموقف لم يكن مجانيا، بل تعبيرا عن ثقافة رفض العنصر الدخيل، وإلا كيف نفسر هذه الشهادة لأحد أعوان الإدارة الفرنسية بمكتب قسنطينة في مراسلة مؤرخة يوم 9 مارس 1861 مع “فريديريك لاكروا”، الذي سارع فور الاتصال بها ليرسلها إلى الحاكم العامّ الماريشال راندون، الذي حوَّلها بدوره وعلى جناح السرعة إلى الإمبراطور نابوليون الثالث. المراسلة، كانت تقول: “لقد تحصلت ثلاثون خيمة من “البرّانية” التي تشكل دوار “فرلاتي”، منذ شهرين على رخصة الدخول إلى تونس، وقد وصلوا إلى “حدود الكفار”. هنا، يقومون بنزع ثيابهم وباقي الأشياء ثم يرمونها لمهب الريح. بعدها، ينفضون برانيسهم بكل ما أوتوا من قوة قبل أن يغسلوها. يطلّقون زوجاتهم، يتطهَّرون، يصومون ثلاثة أيام ويعتكفون للصلاة، ليدخلوا بعدها “دار الإسلام ” (تونس). هناك، يستعيد الرجالُ نساءهم عن طريق عقد نكاح شرعيّ جديد، وهذه المرة يقيمون حفلا كمن يعتنق الإسلام لأول مرة. ومن جهة أخرى -يضيف نص المراسلة- هناك ثلاثة آلاف خيمة أخرى تطلب بإلحاح رخصة المرور إلى تونس” (أ. ر. غولدزيغر: المملكة العربية” ص 132).

هذا الشكل من المقاومات الرمزية – في حد ذاته- هو أوج أشكال المقاومة الصامتة، الرافضة، بعد التكسير العنيف الذي مسَّ القواعد الهيكلية للمجتمع المجسَّدة في “ملكية الأرض وأرض المالك”، الذي عرف”اجتثاثا” فظيعا، على رأي”ب. بورديو” و”أ.صياد”- قبل أن يعرف التـفقير والتجويع والإبادة الجماعية والذي سترجعه الإدارة الفرنسية وقتها إلى ما سموه بـ”الكارثة الأهلية” وهذا ما بين 1866-1868، إلى الجفاف الذي لم يُعرف له مثيلٌ منذ ثلاثة قرون “على حد قول العرب”، كما كانت تقول الصحافة الكولونيالية آنئذ، فإن آثار التفقير والتجويع والتهجير الناجمة عن هجمة القوانين العقارية الاستعمارية وعمليات النهب والسلب الجماعية للأرض والممتلكات الحيوانية التابعة للقبائل الثائرة، تبدو عندهم وكأنها بلا أثر.. وبلا أرشيف، مع أن تحرير الأرشيف قد يفشي فظائع لم نكن نعلمها من قبل في حق الأرض واللغة والدين والإنسان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!